ماذا حمل شعار الجيش اللبناني في عيده هذا العام؟
شارل أبي نادر
ربما جاء شعار ذكرى عيد الجيش اللبناني في هذا العام، مع التسليم أيضاً بنجاح وتناسب شعارات الأعياد السابقة، الأكثر تعبيراً عن دور ومهمات هذه المؤسسة في المكان وفي الزمان، في الوقت الذي تعاني المنطقة والعالم عامة ولبنان بشكل خاص أوضاعاً حساسة ومصيرية، حيث الجميع منخرط في حرب واسعة ضدّ الإرهاب في معركة أصبحت بالنسبة لمجموعات ولشعوب ولدول حتى، معركة وجود وصراع بقاء.
لقد تأخّر الجيش اللبناني كثيراً حتى يرفع شعار 24/24 على 10452 كلم مربع، فهو يمارسه دائماً وأبداً، ولم يتخلّ عنه يوماً، وكان يُعتبر دائماً وبصمت أنّ هذا من واجبه ومن مسؤولياته الوطنية والمهنية المقدسة، ولم يفكر أبداً بالمجاهرة به أو بالإعلان عنه… ولكن ما الذي دفعه هذا العام للإفصاح عن هذا الشعار الذي يجسّد حقيقة تاريخه الحافل بالشرف وبالتضحية وبالوفاء وبالعطاء؟
هل لأنه سئم مَن هم في السلطة مِن السياسيين الوصوليين الذين لا تهمّهم إلا مصالحهم الشخصية والحزبية والطائفية والعائلية الضيقة، فأحبّ أن يلفت نظرهم الى تقاعسهم في تحمّل مسؤولياتهم المفروضة عليهم بحكم السلطة التي يملكونها؟
هل لأنه رأى من خلال نظرته الثاقبة وخبرته وتجاربه أنّ الوطن والدولة سائرة الى الهلاك لا محالة في ظلّ هذا التخاذل الذي يحيط بعملهم وبممارستهم وبإدارتهم للسلطة وللحكم؟
هل لأنه استنتج أنّ المؤسسات الرسمية هي في طريق الاضمحلال والزوال في ظلّ خلافاتهم العقيمة واختلافاتهم الدائمة على كلّ شيء حتى على جنس الملائكة؟
هل أحبّ أن يلفت نظرهم بأنّ الواجب والضمير المهني والأخلاقي يقضيان بأن يذهب كلّ مسؤول الى ممارسة ما هو مطلوب منه رغم الصعوبات والنواقص والمشاكل والتعقيدات كما يفعل هو في عمله وفي تنفيذ مهماته ودوره، من دون الاستسلام ورمي المسؤولية على الآخرين والانسحاب من تحمّل هذه المسؤولية؟
هل يكون اختار أن ينبّههم وعلى طريقته اللائقة والانضباطية والتي ميّزت دائماً عمله وعلاقته بالسلطة السياسية، بأنه متضايق من فشلهم في إدارة الدولة وفي حلّ الملفات الحيوية والضرورية والضاغطة والتي أصبحت تهدّد المواطن والوطن، وبأنه بحكم الواقع والقانون والحق والطبيعة قد يكون مُجبراً على اتخاذ إجراءات معينة في مكان ما وفي وقت ما لإنقاذ ما تبقى من دولة تندثر وتذوب وتتلاشى بحكم ارتباطها بمسؤولين فاشلين وعاجزين وغير قادرين إلا على التمديد لأنفسهم خلافاً للقانون وللدستور؟
لقد أراد الجيش هذا العام أن يُطلق هذا الشعار المُعَبِّر عن تضحياته ومهماته وإجراءاته التي ينفذها 24 ساعة على 24 ساعة في اليوم، فهو جاهز في الليل وفي النهار، في الحرّ وفي البرد، في زحمة السير وتحت الشمس الحارقة وفي هدوء وسكون ورهبة الظلام، حيث أعينه مفتوحة أكثر ويده على الزناد أعمق ودورياته ونقاط مراقبته تزرع الأمن والأمان…
أيضاً، اختار الجيش هذا العام أن يُلفت نظر الجميع، سياسيين ومدنيين، أنّ سلطته ومهماته وإجراءاته تطال جميع الأراضي اللبنانية، وعلى مساحة 10452 كلم مربع، حيث يتواجد وينتشر ويسيطر ويطبّق القانون والنظام ويفرض الأمن ويدافع عن الحدود في وجه العدوّين الإسرائيلي والتكفيري.
لم يتوقف الجيش عند ثغرة صغيرة في مساحة الوطن ما زالت تحت سيطرة الإرهاب على حدوده الشرقية، ولم ينزعها من مساحة الـ 10452 كلم مربع التي ذكرها في شعاره هذا العام لأنّ لديه الثقة الكاملة بأنه يسيطر عليها، وبأنه يتحكّم فيها من خلال انتشاره المتماسك في مواجهتها، ومن خلال العمليات الخاصة ورمايات القصف المدفعي والصاروخي المتواصلة التي ينفذها عليها، وذلك بالرغم من النقص الواضح في تجهيزاته وفي إمكانياته المتواضعة في العتاد وفي السلاح الخاص بمواجهة الإرهاب، والتي لم تكتمل لأنّ بعض السياسيين فشل عن عجز أو عن سوء نية في تأمينها إرضاءً لجهة ما خارج الحدود، ولم يعط تغطية رسمية سياسية، ولم يسمحوا له تحرير تلك المنطقة أيضاً، بالرغم من قدرته الواضحة على ذلك، وأيضاً إرضاءً أو ارتهاناً أو خوفاً من تلك الجهة التي تتواجد خارج الحدود.
إنها صرخة حق وجرأة يصرخها الجيش هذا العام في وجه من يدمّر الوطن بتخاذله وبعجزه وبفشله، إنه إنذار مُعَبِّر قد يكون ناقلاً لتحذير او لتنبيه، إنه شعار عميق يخبّئ في ظاهره حدود عمله في الزمان وفي المكان، ولكنه يحمل في باطنه رسالة حساسة بجديتها، رسالة شديدة اللهجة يُذكِّر من خلالها أنّ المسؤولية وتولي السلطة ليست فقط امتيازاً وبروتوكولاً، ولا تكون فقط بالمخصصات وبالمنافع وبالمصالح التي تقدّمها هذه السلطة لرجالها، بل تكون في العمل الصادق وفي خدمة المرفق العام والمواطن والدولة والمؤسسات، تماماً كما يعمل هو بإخلاص وبتضحية وبوفاء وبشرف 24 ساعة على 24 ساعة، وعلى مساحة الوطن البالغة 10452 كلم مربعاً.
عميد متقاعد