إسقاط الطائرة الروسية سيرسم مقدمات استراتيجية مختلفة

محمد شريف الجيوسي

بإسقاط العصابات الإرهابية المسماة أميركياً معتدلة والمسلحة بمضادات الطائرات، طائرة روسية كانت في مهمة إنسانية، فوق ريف إدلب، تتخذ حرب الإرهاب الدولية على سورية، مساراً جديداً، أشدّ خطراً من إسقاط الطائرة الروسية المقاتلة من قبل تركيا.

فالولايات المتحدة المنشغلة بالإنتخابات الأميركية، والمعنية، بتداعيات الإرهاب المنفذ في غير دولة أوروبية، والهجرة الشرعية وغير الشرعية إلى أوروبا وانعكاساتها السلبية على استقرار أنظمة حليفة مستقرة ما يهدّد استقرارها، كألمانيا، وتردّي الأحوال في العضو النيتوي كتركيا، ومؤشرات تصالحها غير المحبّذ مع روسيا، وفشل تابعيها الإقليميين في العراق واليمن وليبيا، كلّ ذلك عوامل يفترض أن تعيد واشنطن بموجبها حساباتها، وتقلع عن ركوب رأسها، في استمرار لعبة الزعم بوجود معارضة معتدلة وأخرى غير معتدلة.

لقد أرخت روسيا قبضتها منذ شباط الماضي، في ضوء تعهّدات أميركية بضبط ما يسمّى المعارضة المعتدلة، لكن هذه العصابات الإرهابية لم ترعو، وخرقت مئات المرات الهدن المتتالية بوقف إطلاق النار، في استغلال بشع يُذكّر باستغلال العصابات الإرهابية اليهودية الصهيونية الهدن مع العرب، والتوسع الجغرافي، وقتل المدنيين وارتكاب مجازر بشعة.

وتردّد أنّ روسيا الاتحادية والولايات المتحدة اتفقتا على إقامة كيان أو حكم ذاتي موّسع أو إقليم كردي، وهو قول لا نرجح صحته لكن إنْ صحّ وأمكن تحقيقه، يفتح الباب إلى تقسيم سورية، وتقسيمات أخرى على مستوى الإقليم بأبعاد مذهبية وطائفية وإثنية تشمل تركيا والعراق وإيران والسعودية واليمن ومصر وليبيا والسودان مجدداً وربما تونس والجزائر والمغرب.. والدخول في حروب أهلية وغير أهلية يكون للخارج فيها المزيد من الأيادي السوداء.

ومثل ذلك لن يمرّ نسيماً وياسميناً على أوروبا وروسيا والصين والهند بل وأميركا المتداعية بل والكيان الصهيوني، المشبع في داخلة بالأحزاب الدينية العنصرية الدموية المغلقة المتطرفة، والأقليات الإثنية اليهودية، فضلاً عن عرب 1948.

لكن إسقاط الطائرة الروسية واستشهاد طاقمها المكون من ستة عناصر له وقع الصاعقة، أو هكذا يفترض على روسيا، التي تتكرّر محاولات أميركا خداعها، منذ أفول الإتحاد السوفياتي مطلع التسعينات، فالمعارضة الأميركية المعتدلة، بات لها مضادات طائرات في سورية، في وقت تميل فيه تركيا إلى الإنزواء ومعالجة مشكلاتها الداخلية، ما يعني أو يستوجب، أن تتوقف روسيا عن إعتبار هذه الجماعات معتدلة والتعامل معها كما هو حال العصابات الأخرى، حيث قدمت هذه العصابات مختارة الدليل الجازم على أنها ليست كذلك معتدلة، باستهدافها ليس فقط الجيش العربي السوري والبنى التحتية والمدنيين السوريين، وإنما أيضاً، روسيا، التي تناور واشنطن لتحييدها.

يرجح أنّ روسيا كانت قادرة على تجنّب إسقاط طائرتها، لكن اعتقادها بالتزام هذه العصابات بتعهّدات معلميها الأميركان جعلها لا تأخذ احتياطاتها كفاية، وهو خطأ ما زال الروس فيما يبدو يرتكبونه، ونخال أنّ على الروس وللأبد عدم الثقة بأيّ وعد أو تعهّد أو التزام أو اتفاق أميركي، من أيّ نوع وفي أيّ مجال.

ولا بدّ أن تستمر قناعة الروس، أمة وجيشاً وقيادة، أنّ حربهم على الأرض السورية ضدّ الإرهاب المسنود إقليمياً ودولياً، هي فضلاً عن كونها حرباً لأجل استقرار ووحدة أرض وشعب وأمن وسيادة سورية، هي في آن حرباً إستراتيجية دفاعاً عن أمن واستقرار وسيادة ووحدة أرض وشعب روسيا الإتحادية، وهي أقل كلفة مما لو خاضتها على أراضيها مباشرة، فهي بذلك حرباً استباقية لدرء خطر غربي أوروبي أميركي نيتوي صهيوني ورجعي ضدها.

بكلمات، ليكن أمام روسيا وإيران والصين والمقاومة اللبنانية، وبالطبع سورية، وكلّ الحلفاء، أن لا مجال لتراجع، لإلحاق الهزيمة الناجزة المطلقة الكاملة ضد العصابات الإرهابية بمسمّياتها كافة وداعميهم، فعلى نتائجها يتوقف مسار العالم لقرن مقبل جديد.

m.sh.jayousi hotmail.co.uk

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى