ارتداد الإرهاب يتوّج رؤية الدولة السورية على عرش الصوابية…
جمال رابعة
كما كنا نقول دائماً إنّ الإرهاب المغطى سياسياً من الغرب الأطلسي تتقدّمه واشنطن له ارتدادات تطال الدول الراعية له. هذا ما شهدناه في باريس وبروكسل وميونيخ وأنقرة ودول اخرى متعدّدة، لكن السمة التي تميّز السياسات الغربية في وضعها تعتمد على ازدواجية المعايير. فعندما يضرب الإرهاب في سورية والعراق يسمّونه «معارضة معتدلة» أو «ثواراً» أو «حراكاً شعبياً». قالها فابيوس… بأنّ «الجهاديين» الفرنسيين يقومون بعمل جيد في سورية، بينما عندما يضرب مدنهم أو عواصمهم من الجهات الإرهابية ذاتها كان يُسمّى إرهاباً، لماذا لا يُصار إلى تسمية مَن هاجم المسرح في باريس ونيس وانقرة وميونيخ «معارضة مسلحة معتدلة»!
أستطيع القول إنّ الموجات المتعدّدة من الهجمات الإرهابية التي طالت عواصم ومدناً أوروبية أثارت الذعر لدى الشارع الأوروبي، وتحت ضغط هذا الشارع على ممثليهم ضمن السلطات والمتواجدة في مفاصل القرار في سلطات بلدانهم كان لا بدّ من إقامة اتصالات مع الدولة السورية، حيث نرى الآن حجيجاً الى دمشق من وفود برلمانية وسياسية وأمنية والهدف هو التنسيق والتعاون في مواجهة الإرهاب، لكن شرط دمشق قبل ايّ تعاون هو عودة العلاقات الدبلوماسية.
وخلال ندوة عقدها مستشار رئيس مجلس الاتحاد الروسي، أندريه باكلانوف في وكالة «روسيا سيغودنيا» ونقلت مواقع لبنانية مقتطفات منها، تحدث باكلانوف حول عملية التسوية في سورية، وقال: اليوم أصبح الأوروبيون يظهرون أنفسهم بشكل أفضل، وسابقاً انتقدناهم لأنهم تصرّفوا ببطء شديد على المسار السوري، بمعنى لم يصدر شيء منهم».
ولا شك في أنّ انشغال تركية وانكفاء دكتاتور انقرة لتصفية خصومه في الجيش والدولة من أنصار غولن ومعارضيه كافة من القوى السياسية والعسكرية، حيث انّ اعتماده في الدرجة الاولى لهذه التصفيات على جهاز المخابرات الذي كان وما زال يشرف بشكل مباشر على العمليات التي تقوم بها العصابات الإرهابية الوهابية في حلب وإدلب وبقية المحافظات في تقديم الدعم اللوجستي والمادي والعسكري وكافة التسهيلات الأخرى، لذلك كان استدعاء كافة الضباط الذين هم عناصر الارتباط والإشراف الى الداخل التركي ليخلق حالة من الارتباك والانهيار في هذه العصابات الوهابية لفقدانهم القيادة والسيطرة والتوجيه.
لطالما كانت الدولة السورية تصرّ على الحوار السوري السوري بعيداً عن أجندة خارجية، لكن المموّلين والمشغلين دائماً وعبر وفدهم المسمّى وفد الرياض يأتي بشروط مسبقة لا يقبل بها الشعب السوري، وحيث إنّ هذا الوفد يعتبر واجهة سياسية للتصعيد العسكري في مواجهة الدولة السورية ظناً منهم أنهم يستطيعون أن يحققوا ما يريدون بالجانب العسكري، وهذا ما لاحظناه من تصريحات وزير خارجية بني سعود عادل الجبير، والتي يُمليها عليهم سيد البيت الأبيض في واشنطن، والذي حصل اليوم نتيجة تنامي الإرهاب في أوروبا واقتراب الانتخابات الأميركية كان لزاماً على الجانب الأميركي الاقتراب أكثر من التفاهم مع الجانب الروسي لقضية الملف السوري. من هنا نرى المشاورات بين الوفدين الروسي والأميركي إضافة إلى المبعوث «الاميركي» ستيفان دي ميستورا وضمن لقاءاتهم الاتفاق على القضايا الخلافية، ومنها الرئاسة السورية، والى ما بعد الانتصار على الإرهاب، وكما كانت تقول سورية دائماً بأولوية مكافحة الإرهاب وبداية ايّ حوار، وهذا شأن سوري يقرّره ويحدّده الشعب السوري.
المتوقع أن تكون هناك جولة أخرى في شهر آب، ايّ بعد ان ينهي دي ميستورا مشاوراته بعد أن يسمّى الوفد المفاوض من قبل بني سعود لتنضمّ إليه أطراف أخرى بعد أن يتوضح اصطفاف المنظمات الإرهابية بعيداً عن جبهة «النصرة» باسمها الجديد «فتح الشام»، بناء على طلب اميركي وتدخل قطري لتغيير الهوية الشكلية ذات المضمون الإرهابي، ومن ثم المباشرة بالعملية السياسية تحت عنوان مكافحة الإرهاب مع القناعة المطلقة بأن لا خلاف بين هذه العصابات، لأنها تحمل الفكر الإرهابي ذاته والمنبع واحد.
ايّ جامعة عربية وايّ قمة عربية دون حضور الدولة السورية، لا جدوى منهما، حيث إنّ القرار مصادر من الإدارة الأميركية. وما حصل أخيراً في موريتانيا والدعوة الى حلّ سلمي في سورية ما هو سوى إملاءات اميركية وغربية على هؤلاء نتيجة انعطافات واستدارات فرضها الواقع الميداني لانتصارات الجيش العربي السوري، وصلابة ومتانة الشعب في سورية، وضغوط الشارع الغربي على مسؤوليه في الهياكل القيادية لدولهم، وبسبب ارتدادات الإرهاب الى عواصمهم، ولأسباب ومكاسب سياسية فرضتها الانتخابات الاميركية وقرب نهاية ولاية أوباما بانتظار رئيس جديد.
المؤكد من خلال ما عبّرت عنه القمم العربية الأخيرة أنّ فلسطين لم تعد البوصلة والقضية الأولى للنظام الرسمي العربي، وأنّ الكيان الصهيوني لم يعد عدواً لتلك الأنظمة وما نشهده من تطبيع سعودي مع الكيان الصهيوني وقيادة السعودية للنظام الرسمي العربي هو خير دليل على ذلك!
كلّ هذه الأسباب مجتمعة أدّت الى إعطاء التعليمات والأوامر إلى النعاج المؤتمرين في موريتانيا، كما وصف نفسه بنفسه حمد قطر الصغير في وقت سابق.
في الختام… أنّ النصر في معركة حلب الكبرى، ليس عسكرياً فقط للجيش العربي السوري والقوات الصديقة والرديفة، بل هو انتصار سياسي بامتياز لجهة القرار الروسي بالحسم العسكري السريع خارج المعادلات الإقليمية والدولية، طالما انتظرناه وتوقعناه… وكما قال الرئيس بشار الأسد «إن نظام أردوغان الفاشي كان يركّز على حلب، لأنها الأمل الأخير لمشروعه الإخونجي ولكن حلب ستكون المقبرة التي تدفن فيها أحلام وآمال هذا السفاح.
عضو مجلس الشعب السوري