التوظيف الأميركي للإرهاب
غالب قنديل
لا مجال للجدل حول دور الولايات المتحدة الرئيسي في تغذية ورعاية الإرهاب التكفيري وفي توظيفه لمحاولة تفكيك العراق بعد الاحتلال أم في العدوان على سورية. ولا مجال لإنكار حقيقة أن حكومات المنطقة التي قدمت التمويل والسلاح والرعاية والتسهيلات اللوجستية لفصائل القاعدة تنتمي عضوياً إلى منظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية. وقد أدت وظائفها ضمن تحالف دموي عدواني تقوده الولايات المتحدة ومن غرف عمليات نشطت برئاسة قادة الاستخبارات والجيوش الأميركية، كما شاركت «إسرائيل» في قسطها من مهمات العدوان على سورية عبر جانب من التسهيلات اللوجستية لجماعات الإرهاب التكفيري وأمنت تغطية نارية لعملياتها ضد الجيش العربي السوري.
إن كل ما قامت به حكومات السعودية وقطر وتركيا ولبنان والأردن في العدوان على سورية كان بتوجيه من إدارة باراك أوباما التي عطلت حتى الأمس القريب جميع المساعي الهادفة لاستصدار قرار في مجلس الأمن الدولي يتيح تجفيف موارد الإرهاب الذي استجلب إلى سورية والعراق من أربع جهات الأرض وأمعنت في بث الرهان على تدمير سورية وإسقاط دولتها الوطنية بهدف إخضاعها للهيمنة وعبر تنصيب حكومة عميلة للغرب في دمشق وهو الهدف الذي أسقطه الشعب العربي السوري في ملحمة الانتخابات الرئاسية تتويجاً لصمود أسطوري ولتضحيات جليلة قدمها الشعب والجيش بقيادة الرئيس بشار الأسد.
الخطاب الأميركي والغربي الراهن حول أولوية مكافحة الإرهاب لا يرقى إلى مستوى التراجع الجدي عن المخطط التدميري الذي فشل بل هو في حدود التعامل مع حقيقة خروج التكفير الإرهابي عن السيطرة وتهديده للمصالح الأميركية والغربية في المنطقة. وثمة فارق شاسع بين سحق الإرهاب وضبطه لمواصلة استخدامه وتوظيف يافطات مكافحة الإرهاب في ترميم صورة الأميركي البشع الراغب بالظهور في موقع المخلص بعدما تسبب بكل الويلات التي تقض مضاجع شعوب المنطقة.
هل يكفي أن يقول باراك أوباما إن الولايات المتحدة أخطأت عندما حلت الجيش العراقي ودفعت السلطات العراقية في طريق استصدار وتطبيق قانون اجتثاث البعث وطبعاً هو لم يقل إن إبعاد فصائل المقاومة العراقية بجميع تياراتها البعثية والإسلامية واليسارية عن العملية السياسية كان تنفيذاً لقرار أميركي لا يزال سارياً بكل أسف.
وهل يكفي أن يعترف خبراء ومسؤولون سابقون وحاليون في الولايات المتحدة بأن الرئيس بشار الأسد كان على حق عندما قال إن ما يجري في سورية ليس ثورة بل تمرد وإرهاب تكفيري يستهدف تدمير البلاد وسيبلغ خطره جميع عواصم الرعاية الدولية والإقليمية التي تقدم له الدعم لأن من طبائع المنظمات التكفيرية أن تخرج عن السيطرة وترتد إلى نحور مشغليها عندما تستقل بمواردها. وهذا ما برهنت عليه تجربة أفغانستان وهو ما آلت إليه التطورات في المنطقة مؤخراً، وهو ما يفسر القلق الأميركي والغربي من مخاطر تحول منظمة كداعش إلى قوة تهديد للمملكة السعودية على سبيل المثال لا الحصر. وهل تجرؤ حكومة تركيا على تسويق نفط سورية والعراق المنهوب لمصلحة داعش من غير الرضا أو غض النظر الأميركي علماً أن الزبائن هم شركات أميركية و»إسرائيلية» تكسب من فارق هائل في تسعيرة البيع عن السوق العالمي.
الإمبراطورية الأميركية توظف الحرب على الإرهاب كما سبق لها أن وظفت الإرهاب نفسه والغاية المقدسة الوحيدة في حسابات واشنطن هي الهيمنة على النفط وتجديد منظومة الهيمنة والنفوذ الاستعمارية في المنطقة.
لا بد في مجابهة ذلك كله، من التنويه بتمسك الدولة الوطنية السورية بشروطها السيادية ولا بد من التأكيد على أهمية تحصين شراكتها في أي صيغة دولية إقليمية لمكافحة الإرهاب بانخراط حلفائها الموثوقين روسيا والصين وإيران وسائر دول البريكس، بالتالي إدارة التفاوض حول شروط الشراكة وموجباتها كمحور عالمي أجبرت الأحداث الولايات المتحدة على الاعتراف مواربة بصحة رؤيته وخياراته إزاء التطورات في سورية والمنطقة، فذلك هو الطريق إلى محاصرة الاستخفاف بالعقول عبر برامج تلميع الصورة الأميركية القبيحة ولعرقلة مساعي الاستثمار الأميركي في طريق الإياب بدلاً من دفع الكلفة الأخلاقية لجرائم موصوفة.
عضو المجلس الوطني للإعلام