رغم التحديات: أردوغان خارج البلاد للمرة الأولى منذ فشل الانقلاب
روزانا رمَّال
ليس عادياً ان يتمسك الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بقراره الذي يقضى بالتوجه في أول زيارة خارجية له بعد محاولة الانقلاب في بلاده نحو روسيا، فيخرج من البلاد التي لم يمرّ عليها شهر كامل لمحاولة الانقلاب الخطيرة المعالم بالنسبة له ولحزبه، مؤكداً استمراره على ما كان عليه قبل الحادثة من مواقف وخطوات في ما عمّمه على الغرف المحلية والدولية من نيات ترميم العلاقات مع دول الجوار التي تضرّرت بفعل الأزمة السورية.
ليس عادياً أن يخاطر أردوغان بأمنه وكيانه وهالة حضوره في مثل هذه الأوقات، وما يمكن أن يحصل في أيّ لحظة من انفلات للأوضاع وفقدان القدرة على السيطرة على ايّ حدث دراماتيكي جديد، وهو الذي يقول إنّ مخاطر انقلاب جديد لا تزال حاضرة كاحتمالات في المرحلة المقبلة، معلناً حالة طوارئ لثلاثة أشهر.
وقد وضعت أجهزة المخابرات التركية أردوغان عند المخاطر التي لا تزال تحيط بموقعه وبالبلاد التي قد تتعرّض في أيّ لحظة لهجمات انتقامية نتيجة التصفيات المعنوية والجسدية التي انتهجها بحق الانقلابيين «جيشاً وشعباً»، راسمة أمامه خطة الأشهر المقبلة التي تعتبر خارطة الطريق للانتقال الى مرحلة الأمان التي ينشدها أردوغان غير القادر على حسم إعادة عقارب الساعة الى الوراء، فالوضع محلياً سيّئ… هكذا يتحدث الخبراء في تركيا والذين يعاينون حركة وسلوكيات الناس عن قرب معتبرين أنّ البلاد تعيش ذيول الصدمة حتى الساعة وإنّ ردود الفعل لم تتكشّف حتى اللحظة هذه، فالناس كلها واقعة تحت مفاعيل الهزة المفاجأة التي وقعت في هذا التوقيت بالذات، خصوصاً أنّ أردوغان بالنسبة إليهم رئيس قوي لم تبدُ عليه أو على فريقه مسبقاً معالم القلق من تحرك بهذه الضخامة، بالرغم من كلّ ما انتشر في الصحف الغربية.
يتحدّث المسؤولون الروس المتابعون للزيارة أنها ستتمحور حول ترميم وتجميع ما تبعثر جراء الأزمة السورية بعمقها اولاً وتفاصيلها التي كشفت لموسكو في أكثر من دليل ووثيقة ضلوع اردوغان وافراد من عائلته بملفات تجارة النفط وتمريرها بمعابر غير شرعية وتسهيل حركة المسلحين وإعاقة عمل القوات الروسية كما في حادثة الطائرة التي شكلت المفصل بالعلاقة وتدهورها حتى القطيعة وتتحدث المعلومات عن اهتمام متبادل لكلّ من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب أردوغان بنجاح الزيارة وإنتاجيتها، فالوضع في سورية هو الملف الأكثر دقة واهمية فيها.
يقول دميتري بيسكوف الناطق باسم الرئاسة الروسية ان هناك مسائل تخصّ النشاط الاقتصادي سيتمّ بحثها ايضاً في هذه الزيارة وأنّ «علاقات الشراكة المتقدمة كانت تربط روسيا بتركيا قبل حادثة الطائرة الروسية». وهو الأمر نفسه الذي كان قد كشفه نائب رئيس الوزراء التركي محمد شيمشك الذي زار موسكو بوقت سابق، وكان أول من اعلن عن الزيارة. وكان حينها قد اصحطب معه وفداً اقتصادياً تركياً رفيع المستوى بينه وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي، وقد اقترح الوفد التسريع في عملية إصلاح العلاقة بين البلدين حيث أوضح شيمشك أنهم قدموا إلى روسيا من أجل نقل العلاقة بين البلدين إلى أبعد مما كانت عليه قبل 24 تشرين الثاني عام 2015 تاريخ إسقاط تركيا المقاتلة الروسية.
يلفت إلى أنه ومنذ لحظة الإعلان عن محاولة الانقلاب توجهت اتهامات الرئيس التركي صوب عناصر في منظمة فتح الله غولن الإرهابية، فأردوغان لم يتخلَّ عن هذا الاتهام للحظة واحدة فيما بدا وكأنه ليس تصفية للحساب بل إبراز لمعلومات مؤكدة من أنّ غولن وراء الأمر، تلفت ايضاً الاتهامات المباشرة للولايات المتحدة الاميركية من انها تغطي هذه العملية. فمن غير الممكن بالنسبة لأردوغان اعتبار خطوة غولن القابع في ولاية بنسلفانيا الأميركية تحت نظر السلطات والاستخبارات هناك خطوة بعيدة عن الأجهزة الأميركية. بالتالي فإنّ مرحلة جديدة من العلاقات الأميركية التركية اعلن عنها الرئيس التركي، بحيث يتم العمل على ترميم العلاقة بين تركيا وروسيا في مشهد جديد من العلاقة المتوترة افتتحته لحظة محاولة الانقلاب.
موقف روسيا المبدئي حيال محاولة الانقلاب ضد الحكومة المنتخبة بطرق مشروعة في تركيا يستند إلى ضرورة حل المشاكل في إطار الدستور. هذا هو الموقف الروسي مما جرى. وهنا فإنّ امكانية الاستفادة الروسية من سوء العلاقة بين اردوغان والأميركيين احد ابرز عناصر المرحلة الجديدة المتعلقة بالأزمة السورية. وهذا ما يفسّر بشكل أوضح مسألة عزم اردوغان على ترك البلاد في مثل هذه الأوقات. فاللقاء بالرئيس الروسي على قدر بالغ من الأهمية يحمل في طياته ضمان مستقبل أردوغان من جهة ومستقبل الأزمة السورية من جهة أخرى، وما يمكن للطرفين ان يؤسسا في لحظة تحوّل جدّي نحو المفاوضات، وإلا فإنّ اردوغان بات على علم مسبق من أنّ الأميركيين ليسوا مستعدين لمراعاة مصالحه في لحظة تصاعد الاتهامات التي نفاها وزير الخارجية الاميركي جون كيري مراراً.
تقديم طروحات تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين ورفع مستواها يؤكد نيات تمتين العلاقة بين البلدين في ما يعزز تموضع تركيا في ضفة التمسك ببوابة الخلاص التي تجسدها روسيا اليوم في أكثر مراحلها دقة.
يغادر اردوغان البلاد في لحظة دقيقة في خطوة استراتيجية مصيرية تحمل في طياتها عنوان المشهد المقبل. فتعويل تركي روسي كبيرين على هذه الزيارة يفتح احتمالات التقدم السياسي بالمنطقة بعناوين عريضة.