قوس الحبر

جفّت مياه النهر

جفّ البحر

والماء الذي في الماء

لا يتكلّم.

وعُدتُ على الصحراء

ألف جهنمٍ

وخبت على نار النشيد

جهنم.

يا شعر،

علّمني ارتكاب الإثم

أنت الآن أدرى بالجنون

وأعلم.

لي فيك أغنيةٌ

ولي منك المدى:

أنشوطتان ودمعتان وطلسم.

قوسٌ أنا في ضفتيك

وفي رحى البلوى:

الدريئة… والخبال المبرم.

فلتعتصم،

بمياه وجهك يا فتى

واعصم سماءك قبل أن

يصل الدم .

جفّت مياه النهر

جف البحر

والماء الذي في الماء

يهتك قوسه الشعراء

وأنا المبدّد في الجهات

ليست لي جهةٌ لأعرف من أنا

فجهاتي الغبراء.

وسمائي الفصحى

لسانٌ أبكم

ورطانةٌ عجماء.

ومدار قافيتي السواد الجمّ

تزرب في مدى أنحائه الرمضاء.

كلّ لديه شماله وجنوبه

وأنا لديّ غروبي الوضّاء.

جفّت مياه النهر

جفّ البحر

والماء استباه الفاسدون.

ويقول لي: من أنت؟

في أوج اشتعالي: القاتلون.

حتى التراب

يقول لي: من أنت؟

في عزّ اتّضاحي

ثم ينكرني الرضى والحاسدون.

وأنا هنا

من دون قافيةٍ ولا أملٍ

ولا جدوى يراها الآخرون.

من دونما صحفٍ

تريد الآن دمعي صالحاً للبيع

في سوق النخاسة والجنون.

ويقول لي الشعراء:

دعك من الكتابة والكآبة والظنون

وأتِحْ لروحك مقعداً

بين الحداثة والحداثة

كي تكون ولا تكون

ما فاز إلا الفاشلون!

سأقول لي:

قد يأكل الشعراء لحمك

والوظيف.

قد يأكل الصحافي صوتك

والخليفة

من قال إن الشعر

ليس ضرورةً مثلى

لإتمام الصحيفة؟

ولكي يتمّ الشاعر المقتول

في المعنى نزيفه!

كونٌ صغيرٌ ذاب في لغتي

وأدمتني القصيدة والمواجع

ذهب المجاز مودّعاً

من قبل أن تأتي لمكمنها

الحوادث والتوابع

هيّأت أسبابي

وإن معي من الأدوات ما يكفي

لتكتمل القصيدة والشوارع

هذا دمي

ارتطمَتْ نيازكه الصغيرة بالزوابع

قد كان مشغولاً في ترتيب العواصف

واختلاف الليل والريح التي في الليل

والليل المخادع

حتى العبارة

لم تكن تعنيه أصلاً

كان مشغولاً ببلبلة الأماكن

والأصابع

لم تترك الكلمات لي شغبي

لأركض في مدار الأرض

أقطف غيمةً في إثر أخرى

ما حيلتي؟!

وأنا الأتيت

كما النسيم الحرّ في الغابات

يعشق أن يظلّ الآن حرّاً

وأتيت ملتبساً بأشكال الطيور

أقول للأشجار أمراً

وأتيت

قبل تفتّح الأقداح في الحانات

قبل توقّد العطار في المعنى

أعاقر خمرتي وأذيع سرّاً

وأمرّ قرب الأرض

أفتح معجم القتلى على اسمي

قرب اسم أبي وعائلتي هنا

لأراه ذكرى

وأرى ارتباك العشب في الغابات

والقنص الذي يشتدّ في الساحات

ثم أرى ـ أنا الأعمى ـ

ضرورة أن أقول الأرض: شعراً

من يستطيع الآن تشكيل الهواء

ليحرس المعنى على باب

الخديعة واللغة؟

من يستطيع الآن ترتيب الفراغ

ليخدش المبنى بهذي

الأدمغة؟

لو كان لي ما كان من شأنٍ لـ«رامبو»

وهو يلتهم الجحيم كـ«حبة البالتان»

لاجتحت الجحيم لأبلغه

كن مرةً، يا صاحبي، مثلي

لنخترع القيامة

ونطلّ من عدمٍ على عدمٍ

ونبتكر السلامة!

كن مرّةً مثلي

بلا أحدٍ، ولا ولدٍ

ولا وتدٍ، لديك

كن مبهماً

لتظلّ ملعوناً، ومجنوناً

ومطروداً بأقصى جنّتيك

كن واضحاً

لتكون مقتولاً، ومتّهماً

ومشغولاً عليك

كن مثلما تهوى

وأتلفني جميعي

في هوائك.

كن مرّةً وحدي

لتشرق بي سمائي

من سمائك!

أيمن إبراهيم معروف

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى