أيها المتحاورون تأجيلاً وترحيلاً… كفى!
هاني الحلبي
أقفلت أمس أبواب جلسة الحوار الوطني العشرين.
ثلاثة أيام أحبطت اللبنانيين المنتظرين المنّ والسلوى، من ترياق عين التينة، فإذا بها تعيدهم ألاعيب السياسيين الطائفيين نكداً ونقمة، مع أو ضدّ، نقبل أو لا نقبل، وكلام ليل يمحوه أول النهار…
وكان «الطائف» جنيناً أنجبه تحارب دولي بأدوات محلية. يبلغ هذا العام رشده الأشدّ وينال حقوق الترشح للنيابة والوزارة ولمجلس الشيوخ، إذا أتمّ أشهره التسعة ولم يولد خديجاً هزيلاً، فيما لو دبّت حكمة الشيوخ في ألعاب الكشاتبين اللبنانية.
وأخذ لاعبو الكشاتبين من الطائف ما يلائم الموضة السياسية الإقطاعية وأهملوا الباقي ليغيب في دهاليز النسيان بخاصة مع انقراض الشباب اللبناني وانتظر حراكه أضواء ملوّنة من أمراء، لقطف موسم الاصطياف مظاهرات حاشدة.
قالوا «بدنا نحاسب» ومن «أول دخولو راح ع طولو»، فمَن يحاسب من يريدون الحساب؟ ما دامت المحاسبة ليست روحة بلا رجعة، فهي ذهاب وأياب متبادل الاتجاه!
من يحاسب حكومة ويسألها بعين جامدة ماذا فعلت للعسكريين الأسرى الذين مضى عليهم عيدان للجيش وهم في أسر غياهب داعش، ولا خبر عنهم ولا مسعى متواصل جدياً لتحريرهم. بل بالعكس أخذ مرتزقة بعض القنوات اللبنانية يرون في أسر الجنود التسعة وقبلهم أخوتهم العسكريين الشهداء والمحرّرين حكمة بالغة لتصفية حسابات ضيقة على حساب كرامة الجيش ولبنان، فكثرت بين الإعلاميات المجاهدات من اتّشحن بحجاب إكراماً لـ«النصرة» هذا قبل أن يكشف ملك جمالها عن وجهه الفتي وبعضهن لم يعدمنَ وسيلة لمبايعة «الخليفة» في مقدمات نشراتهن! مَن يحاسب مَن؟
سنتان يتخرّج ضباطنا بلا سيوف يقلّدهم إياها رئيس الجمهورية المحتجب بقرار دولي، فارضاً فيتو على مرشح بذاته. يرفضه رئيساً لأنه صديق دمشق وحليف المقاومة!
وضباطنا وجنودنا كانوا رماحاً يشقون السماء بصرخاتهم، أسودَ غاب وجنودَ وطن وضباط جيش ما قاتل إلا انتصر، وما خسر معركة إلا بالسياسة الطائفية التي تحاصره وتظنه «خرطوش فردها» ضدّ التغيير والتقدّم الحتمي.
وأبطال جيشنا كانوا سيوفاً إذا امتُشقت ضدّ عدو بترته وقطعت أذناب اخطبوطه أينما امتدّت، وإذا زُجّت في وحول السياسة الخصوصية صامت عن قطع وفُلّت في عراك! لَعمري ما زالوا كذلك إن كانت السياسة العامة للدولة سياسة قومية أو تمّ كفّ يد السياسيين المرتهَنين مذهبياً ومصلحياً عن التأثير على استراتيجية الدولة وإدارة النظام!
جيشنا الباسل يستحقّ أن يُكرَّم وأن يُعزّز ليس برموش العيون فقط، بل بكلّ ما يجعله سيداً منيعاً سريعاً خاطفاً كافياً قوياً متماسكاً لحماية لبنان!
إقرار سلسلة الرتب والرواتب، بعيداً عن التجنيد بالتعاقد المؤقت، نظام الاستغلال المافياوي الذي شرع بانتهاجه رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، ورفضته المؤسسات المعنية، إذ وفقه يكون الجندي مجرد موظف متعاقد لقاء خدمات معينة يتقاضى في الساعة أو في اليوم مبلغاً معيناً. تقريباً يشبه ما يُسمّى شركات الأمن التي تزوّد المؤسسات المدنية بالحراس.
لكن بين البطل وبين الحارس خطل فادح وفارق شاسع لم يتسع له نظام المحاسبة السنيوري. فهل يدفع لقاء ساعة الحراسة البدل نفسه لقاء ساعة اقتحام مستوطنة عرسال المحتلّ بعضها من الإرهابيين، أو لقاء ساعة اقتحام بلدة الغجر لتحريرها من العدو اليهودي؟ وفي الساعة 3600 ثانية، وكلّ ثانية كافية لزهق روح جندي، بل عشرات الجنود دفعة واحدة؟
كيف يخمّن الرئيس الجهبذ أرواح الجنود، وروح كلّ جندي تساوي الأرصدة كلها؟ كيف يعوّض على قلوب أمهات العسكريين اللواتي منذ سنتين لم تغمض عيونهن عن كوابيس تحسّس السكين على رقاب أبنائهن، وكم أفقن مذعورات على استغاثاتهم يهمسن لهن أن يفعلن شيئاً لأن «ناويين يعملوها الليلة»، كما قال الشهيد علي البزال في تسجيل مصوّر!
الجيش اللبناني وشباب لبنان الذين يهجرهم النظام الطائفي الإقطاعي العقيم في قارات العالم وفي البحار وخلفها مقهورين أذلاء، هم أثمن ما يعتدّ به لبنان ليكون بلد الإنسان والعراقة والحضارة! لكن مع هذا النظام المتغوّل حوّلنا نحن ووطننا بلاد الكهوف المظلمة بالحقد ومومياءاتها المتهالكة، بلاد الحظائر النتنة بالسياسة الطائفية الرخيصة، بلاد الإقطاعات الشخصية والمصرفية والمذهبية والحمايات الأمنية المحروسة!
الجيش الوطني المقاوم المستعدّ بكفاءاته وجنوده وضباطه وحده الأمل… الجيش الذي يحرّر جنوده ويحمي الحدود ويكرّس الصَّهْر اللبناني متوثّب الروح، والمقاومة المؤمنة بوحدتنا القومية الاجتماعية في سوراقيا كلها، وحدهما الخلاص…
أيّها المستهترون بنا، بقايا شعب شلّعتموه بالبغضاء القاتلة.. كفى.
أيّها الطائفيون تتحاورون على جنس ملائكة الجحيم، مهما كان نظامكم الفاقد الوجدان، أكثرياً أم نسبياً، فهو عاجز عن قطع أصابع التجسّس بالاتصالات والنهب بالمهجَّرين والاتجار بالنازحين، والمقاولين بالنفايات!
أنتم أقلية منقرضة.. تتكاثر بالحوافز التي يمنحها النظام لتستمرّ فيستمر!
ونحن وجيشنا الفيصل، الأكثرية الحاسمة.. مستقبلاً لن تكونوا قادتنا!
باحث وناشر موقعَي حرمون haramoon.org/ar والسوق alssouk.net