دولة الضياع والمواطنون جياع
ميسم حمزة
عندما يسير الشعب وراء مصالحه وحاجاته، ويتحرك ليضع حداً للظلم والاستهتار، والفقر والمعاناة، وللمطالبة بحقه في عيش كريم بدل الدفاع عن زعيم مستهتر غير آبه بمعاناة الشعب، وطامع فقط بالحفاظ على المنصب والنفوذ…
عندها فقط سأقول عن هذا الشعب إنه شعب يستحق الحياة!
وأيّ حياة ممكن أن تُعاش في لبنان، في ظلّ الفساد المستشري في كلّ مؤسسات الدولة المترافق مع استهتار المواطن المتلهّي بتأمين لقمة العيش له ولعائلته وتأمين مقومات العيش الأساسية فقط، من ماء وكهرباء جيدة، وقدرة على تسديد بدل الأقساط المدرسية والجامعية ودفع تكاليف الاستشفاء والدواء والغذاء…
وليؤمّن أبسط تلك المقومات لا بدّ ان يتمتع بحدّ أدنى للأجور يناسب الواقع المفروض عليه، ولكن في لبنان، هذا الحدّ الأدنى لا يؤمّن حتى المسكن فكيف بالأمور الأخرى، لا سيما أننا في بلد، أقلّ ما يُقال فيه إنّ مواطنيه لا يعيشون من قلة الموت وإنما هم عبارة عن أحجار «داما» تتحرك فقط بالشكل وأما في المضمون، رحم الله لبنان واللبنانيين وأطال الله بعمر السارقين والمستفيدين، لا سيما أننا في مغارة علي بابا وإنما الفرق يكمن في عدد «الحرامية»، ولست نادمة على استخدام هذا المصطلع بحق مسؤولين تجرّدوا من الضمير والمبادئ والأخلاق، وأصبحوا عبدة المناصب، وصمّوا آذانهم، وما عادوا يسمعون صرخات الشعب الذي ضاق ذرعاً من كلّ شيء.
فالحدّ الأدنى للأجور ينخفض، وهو بمعدل 650 ألف ليرة لبنانية شهرياً عداً ونقداً ، والأكثرية المطلقة للشعب اللبناني غير قادرة على شراء منزل في لبنان لأنّ أصغر شقة في بيروت سعرها لا يقلّ عن مئة ألف دولار أميركي، وبالطبع هو لا يملك هذا المبلغ وليحصل على قرض من البنك يحتاج الى كفيل وإفادة راتب بمبلغ أدناه 800 دولار أميركي، فإنْ كان الحدّ الأدنى للأجور 450 دولار فهذا الحلم الأول للبناني دفن ولن يتحقق، وفي حال أراد هذا المواطن ان يستأجر شقة ليستقرّ، فأقل شقة تستأجر بمبلغ قدره 500 أو 550 دولار أميركي شهرياً مما يؤكد أيضاً أنّ اللبناني لا يمكنه ان يستأجر منزلاً بالحدّ الأدنى للأجور 450 دولار ، ناهيك عن حاجته الى تامين المأكل والمشرب والملبس والتعليم والطبابة الخ… وكل هذا يتطلب أجراً مرتفعاً ولكنه بالطبع منعدم في لبنان.
هذا اللبنان الذي تغنينا به كثيراً، وكنا نتمنى لكلّ محبّ ان يكون له مرقد عنزة فيه، ولكن يتآكل هذا الوطن ومساحات العيش الكريم تضيق، فالتساؤل الأساسي هل المشكلة تكمن في عدم توزيع الثروة الوطنية بصورة عادلة بين اللبنانيين ام هي تركيبة النظام السياسي الذي يجمع بين الرأسمال الجشع والحياة السياسية، ففي الانتخابات النيابية وفق النظام الأكثري يكثر المال السياسي الذي ينفق على ضعاف النفوس من أجل شراء الضمائر وتزوير الإرادة الشعبية، فالقوى السياسية النيابية هي أمينة على نظام انتخابي لا يعكس الإرادة الشعبية، من هنا نقول انّ تغيير الواقع السياسي هو المقدّمة الأساسية لتحقيق عدالة في لبنان على المستوى الاجتماعي حتى يتمكن المواطن من ان يكون شريكاً في الثروة الوطنية التي تذهب الى جيوب المحميّين من قبل الكتل السياسية.
وللأسف نقولها لو عندنا مسؤولون يحرسون الوطن ومواطنيه بأمانة ويتعالون على مصالحهم الشخصية، ويدافعون عن المواطن ضدّ كلّ ما يؤدّي إلى إفقاره وإذلاله وتصديع أمنه الاجتماعي والاقتصادي لكان المواطن بألف خير ولكن…
المسؤول في مكان والمواطن وهموم حياته في مكان آخر.