الرئاسة أبعد من حلب… وعون مرشّح مدى الحياة

هتاف دهام

تنتظر مكوّنات السلطة في لبنان ما ستؤول إليه التطورات الميدانية في حلب. يترقب فريقا 8 و14 آذار مسار العمليات العسكرية الجارية.

هل يرجح حسم المعركة في هذه المدينة كفة محور على آخر؟ أم أن التسوية ستكون سيدة التفاهم الروسي الأميركي لما لحلب من أهمية استراتيجية؟

يؤكد قطب سياسي مخضرم لـ «البناء» أنّ معركة حلب حاسمة لتظهير موازين القوى الإقليمية والدولية. كلّ المشتبكين على مستوى المنطقة موجودون في قلب المعادلة الحلبية. قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني موجود في سورية منذ ستة أيام لتنسيق عمل الجبهة في الراموسة. الموقف التركي سيتظهّر قريباً. لقاء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان اليوم يحسمه. سبقه توتر طارئ على العلاقة التركية السعودية في ضوء الحديث عن تورّط قيادات سعودية وإماراتية في الانقلاب.

ارتباط الميدان بالسياسة مجسّد في حلب. المعركة إلى الحسم عاجلاً أم آجلاً. فهي وفق القطب السياسي، تتطلّب حسماً عسكرياً، يفتح المجال بعدها على مفاوصات دولية تنقل سورية من المرحلة العسكرية إلى المرحلة التسووية.

إلى ذلك الحين، سيبقى مصير لبنان مرتبطاً بأحكام بمصير سورية وليس بمصير حلب. لن يكون هناك جلاء قريب لنتيجة ملفاته السياسية طالما أنّ الصراع الإقليمي في لحظة احتدام واشتباك.

يتحدث كثيرون داخل فريق تيار المستقبل وحزب القوات وحزب الكتائب عن حلب، وأيضاً داخل فريق 8 آذار وحلفائه يتحدثون. يترقب جميعهم أن تدق الساعة لصالح محوره. يشكل ذلك في قراءتهم خارطة طريق لفرض شروط وتثبيت معادلات جديدة في الداخل.

تعني حلب «أم المعارك» لطرفي النزاع. ينتظر التيار الأزرق إقفال بوابات حلب الدمشقية. هكذا يسمع نواب وقياديو هذا الحزب من «الموجِّه السعودي». أكثر من ذلك لا يدري هؤلاء شيئاً عن الجغرافيا والمناطق والبلدات الحلبية والدليل هو التخبّط الذي رافق تغطية إعلامه، وتحليلات سياسيّيه عن الراموسة والكاستيلو.

لا يربط القطب السياسي نفسه بين معركة حلب ومعركة الرئاسة. استحقاق بعبدا مرتبط أساساً بموقف بيت الوسط. ستبقى المشكلة عالقة إلى ما بعد حلب، ما دام «المستقبل» لا يقرّ بأنّ الجنرال ميشال عون هو الأكثر تمثيلاً مسيحياً والأوسع انتشاراً وطنياً.

يُصرّ القطب السياسي على أنّ معالجة أزمة الرئاسة في بيروت وليست في حلب. ويغمز متسائلاً: هل ينتخب الوزير سليمان فرنجية إذا حسمت حلب للمعارضة؟ هل ينتخب الجنرال عون لو حسمت حلب لمحور المقاومة؟ بالتأكيد المسألة ليست هكذا. ليس المناخ للتسويات، لا لبنانياً ولا سورياً ولا يمنياً ولا عراقياً. حالة الاشتباك مفتوحة. التحليل هو نتيجة الواقع المتحرك أيّ المدى القريب، لا يصحّ إطلاق تحليلات متوسطة أو بعيدة المدى.

من وجهة نظره، من الممكن أن يتلبنن استحقاق الرئاسة الأولى ويُنتخب رئيس. لكن العقبة تبقى في موقف الرئيس سعد الحريري. قراره سعودي يصادر اللبننة ويؤقلم الخيار الرئاسي. ليست المملكة في وارد البحث عن تسويات. لا تزال مصرّة على حالة الاشتباك المفتوحة. تعتبر أنّ مجيء إدارة أميركية جديدة سيقلب موازين القوى وسيغيّر المقاربة الأميركية الراهنة. لذلك لا تجد نفسها مضطرة لتقديم تنازلات والذهاب نحو تسوية. وكانت أبلغت من راجعها سابقاً أن لا مكان للرئاسة اللبنانية الآن. فاليمن أولاً.

مناخات التفاؤل الرئاسية التي شاعت الشهر الفائت منشؤها رئيس «المستقبل». بات مقتنعاً بضرورة إحداث اختراق فانفراج. في حين أنّ مملكته لا تزال بعيدة عن هذا التوجه. برز ذلك في عدم سير الأغلبية العظمى في تياره بطروحاته وأفكاره. سارع مَن يدور في فلك الرئيس فؤاد السنيورة إلى تسريب فحوى اجتماع الساعات الأربع لإظهار ضعف موقف رئيس حزبه. ثبت ذلك الصراع الذي يديره الرئيس السنيورة في وجه الحريري. وعليه فإنّ الرئاسة لن تكون قريبة ما لم يحسم الخارج السعودية أو الداخل الحريري الصراع بين الأجنحة الزرقاء، لا سيما أنّ المشاكل داخل الحزب الواحد تطغى أحياناً على المشاكل مع المكونات السياسية الأخرى.

مقابل كلّ هذا التخبّط المستقبلي، فإنّ الثابت والأكيد، وفق القطب نفسه، أنّ العماد عون لن ينحسب من المعركة الرئاسية. مستمرّ في ترشحه باستمراره حياً. لن يلعب الجنرال لعبة الانتخابات الرئاسية الماضية. الرئيس التوافقي يعني التوافق معه. مثلما تحتاج حلب إلى حسم لتذهب سورية نحو تسوية، فإنّ تيار المستقبل يحتاج إلى حسم خلافاته الداخلية والمسارعة إلى التفاهم مع رئيس تكتل التغيير والإصلاح لانتخاب رئيس. وإلا ستبقى الرئاسة عالقة في خلافات وتجاذبات وادي ابو جميل.

يقول القطب السياسي: لا يملك الجنرال تفاؤلاً أو تشاؤماً. يملك موقفاً. يعرف ماذا يريد. يعلم أنّ أحداً لن يستطيع أن يبدّد موقفه، من الحلفاء قبل الخصوم. عايش القطب السياسي الرئاسة في لبنان منذ الرئيس الياس سركيس حتى الرئيس إميل لحود، فهي عبارة عن اتفاقات وتسويات. في نظره وصول الجنرال إلى بعبدا يتطلّب تواصلين لا بدّ منهما: الأول مع الحريري، والثاني مع الرئيس نبيه بري. التواصلان متوافران راهناً. لا انتخابات من دون أن يتفق عون مع بيت الوسط وعين التينة، فحزب الله ترك لـ عون كامل الحرية في مشاوراته. أبلغ من فاتحه بالموضوع أنّ عنوان الرئاسة التفاهم مع الرابية.

بناء على ذلك، لا بدّ أن يحدث، وفق القطب نفسه، اختراق سواء لجهة «الأستاذ» اللاعب الكبير في رئاسة الجمهورية عموماً، أو اختراق باتجاه «الشيخ». الأكثر عجلة والمحشور هو الـ»سعد». أما «النبيه» فهو رئيس مجلس نيابي يملك الأكثرية، كلمته مسموعة «ما بتصير اتنين»، لا يمكن تجاوزها. هو لاعب سياسي مستمرّ منذ الطائف حتى اليوم. الاتفاق معه أساس. وإلا تبقى الأمور «راوح مكانك».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى