مهرجان شعوب البحر المتوسط… أحلام تتكسر على خطوط الجزيرة
هناء حاج
كعادتها كل عام منذ 15 سنة، تميّزت بلدية بيشيليه الإيطالية بالخطوة الفنية الثقافية الراقية التي قامت بها في تنظيمها فعاليات مهرجان شعوب البحر الأبيض المتوسط الفني والثقافي في السابع عشر من آب 2014، الذي حمل عنوان «حوار الشعوب من أجل السلام». رعى المهرجان رئيس المجلس البلدي لمدينة بيشيليه الإيطالية فرانشيسكو سبينا، وكانت مشاركة مميزة للنائب في البرلمان الإيطالي فرانشيسكو نابوليتانو مؤسس المهرجان والمديرة الفنية للمهرجان فلوريانا سافينو والمنسق الدولي للمهرجان المخرج الأردني عاهد عبابنة.
شارك في المهرجان لعام 2014 إضافة إلى عدد من الشعراء والفنانين الإيطاليين كل من: دولة قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت وسلطنة عمان والجزائر وكذلك صربيا، من خلال أعمال شعرية وموسيقية وغنائية ومسرحية وفرق استعراضية، إذ أعطت كل دولة فكرة ثقافية راقية.
هذا ما أثنى عليه رئيس المجلس البلدي في بيشيليه فرانشيسكو سبينا في كلمته التي ألقاها خلال حفل الافتتاح، إذ قال: «إن الترابط الثقافي بين الشعوب يجمع الجماهير على فكرة واحدة توصل إلى السلام، وما عنوان المهرجان لهذا العام «حوار الشعوب من أجل السلام» إلا تعبير صادق عن الترابط الاجتماعي والثقافي الذي يجمع شعوب البحر الأبيض المتوسط، والفنون تعتبر لغة الشعوب أينما حلّت»، مرحباً بالحضور العربي الكبير.
وأضاف سبينا أن الحركة الثقافية التاريخية لمدينة بيشيليه منفتحة على العالم، وترحب بكل أنواع الفنون الراقية التي تندرج في هذا الإطار. ولديها توائم ثقافية عدة مع مدن عربية مثل بيت لحم، خان يوس فلسطين ، فحص الأردن ، طرطوس سورية ، والكويت.
كذلك كرّم فرانشيسكو سبينا الوفود المشاركة في المهرجان وتلقى تكريمات خاصة من بعض الوفود العربية المشاركة، وكرّم أيضاً المنسقة الإعلامية للمهرجان الصحافية اللبنانية هناء حاج بتقديم درع المهرجان لها.
أما المؤسس والأب الروحي للمهرجان النائب السابق في البرلمان الإيطالي فرانشيسكو نابوليتانا، فأكد أن غاية المهرجان الذي أسسه عام 1997، كانت التقارب وإظهار الترابط بين شعوب المحيط المتشابه إلى حد كبير بثقافاته وتقاليده وعاداته وحتى بالعديد من فنونه، وكل عام كان يشارك في المهرجان العديد من الدول العربية من المشرق والمغرب العربي، إضافة إلى بعض دول الخليج، وهذا العام كانت المشاركة الخليجية أكبر من غيرها، ما مكّن الجمهور الذي جاء إلى بيشيليه من كل أنحاء إيطاليا من التعرف إلى ثقافة جديدة من خلال الشعر والموسيقى والرقص والمسرح والسينما.
أما المديرة الفنية للمهرجان فلوريانا سافينو فقامت على مدار 15 سنة بتنظيم وإعداد فاعليات دولية وأيضاً تنظيم هذا المهرجان، ولها علاقات فنية وثقافية بدول عربية وأجنبية.
وقامت بالتعاون مع المخرج عاهد عبابنة باختيار فاعليات وأنشطة المهرجان، التي جرى إحياؤها في أكثر من موقع في مدينة بيشيليه، حيث عرضت مسرحيات في المدرج الأثري على شاطئ المدينة إضافة إلى الاستعراضات الموسيقية والفولكلورية، وبعضها عرض في المسرح التاريخي وفي وسط المدينة، حيث استقطبت جماهير إيطالية كثيرة وتجمهرت للتعرف إلى أنماط جديدة من الثقافات والفنون. ونالت سافينو تكريماً خاصاً في المهرجان من البلدية ومن الفرق المشاركة على الجهود التي قامت بها لاستمرارية الحدث العالمي.
وأكدت مديرة المهرجان فلوريانا سافينو: تأتي هذه المشاركة العربية لتظهر الوجه الأصيل للثقافة العربية بعيداً مما يصل من أخبار وأفعال تشوه وتسيء لصورة المشهد العربي في العالم، والمهرجان هو دعوة سلام لكل العالم، للكف عن الحرب والدمار والقتل، وإن الفن عبارة عن رسالة جمال في وجه القبح.
فيما تميّز المنسق العام للمشاركات الدولية المخرج الأردني عاهد عبابنة بالخبرة العالية من خلال اختياره للفرق العربية المشاركة في عملية تنويع، لتعريف الجمهور الإيطالي والأوروبي عموماً على الفنون العربية. فكانت المشاركة العربية من خلال دولة الكويت والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان ودولة قطر وجمهورية الجزائر والمملكة العربية السعودية والمملكة الاردنية، في عملية دمج شكلت حالة خاصة ونالت إعجاب المتابعين.
اليوم الثاني .. أحلام الكاهنة تتكسر على شاطئ الجزيرة
شهدت عروض اليوم الثاني من المهرجان روعة في الأداء المسرحي العالي الإتقان، إذ انطلقت فعالياته إعادة العرض الموسيقي الراقص لفرقة الشارقة للتراث الفني، في عرض ثانٍ على المدرج الأثري للمدينة التراثية، وأعيد التفاعل بشكل أكبر من الليلة السابقة، وقام النائب في البرلمان الإيطالي فرانشيسكو نابوليتاني في نهاية العرض بتكريم الفرقة الشعبية وتقديم الدرع التكريمية من المدينة، شاكراً حضورهم المميز، متمنياً أن يكون للمدينة وأهلها لقاء ثانٍ مع الفرقة.
كذلك قدمت فرقة «الكاهنة» الجزائرية صباح بن زيادي عرضاً على مسرح المدرج الأثري في مدينة بيشيليه، حمل العرض اسم «جزيرة الأحلام»، وقدمت صباح مع فريقها من المؤلف من شقيقتها خضرا بن زيادي ومجموعة راقصات، العديد من الرقصات التعبيرية المختلطة بين الرقص الشرقي العربي والأمازيغي. وكانت الرقصة الأولى كأنها حوار ليس تراثياً معيناً بل حوار حول قضايا الإنسان في العالم، وعبّرت برقصها عن أشكال متنوعة من الفرح والقلق. وبعدها قدمت صبايا فرقة «الكاهنة» رقصة شرقية تعبيراً عن الحب كلوحة تعبيرية مثل الفراشات في الحياة، فيها جزء من حياة يعيشها العرب قبل «الربيع العربي» كانت فيها فرحة مضغوطة بالألم.
لتعود صباح برقصة منفردة عبّرت فيها عن أهوال الحرب، من خلال حركات تعبيرية وأزياء وموسيقى ترجمت فيها صورة حضور الهيلوكوبتر التي اجتاحت الشعوب ورمت عليهم القنابل، لترقص فيها رقصة الموت والبكاء والألم.
واستكمالاً للحرب التي انطلقت قدمت الصبايا رقصة الأرامل التي لم تخلُ من التعبير بالندب والبكاء واللطم وشد الشعر عن المآسي التي مررن بها، ليتحولن إلى ضرب الأرض بقوة كأنهن كرهن الأرض والدنيا على فقدانهن أهلهن ووضع أمواتهن تحتها.
أما في الفقرة ما قبل الأخيرة فاستبدلت الفنانة صباح الرقص التعبيري بالحركة والسينوغرافية في رقصة الأمة، إذ ارتدت الأبيض وكأنها هي الأمة، وعرضت على الثوب صور من خلال فيديو لأحداث وتظاهرات حصلت في العالم العربي، حيث امتزج وجهها مع وجوه الناس بشكل فني متقن. وبعد مغادرة «الأمة للمسرح» بقيت على المسرح راقصة أخرى لترقص رقصة «العقرب السوداء» التي تسببت بالحروب.
أما اللوحة الأخيرة فكانت فيها الحركة بليغة أكثر من الكلام، فقدمت صباح وفرقتها «الكاهنة» رقصة عن السلام في مواجهة الحرب، لكنها لم تكن سلاماً بل حرب متضاربة للوصول إلى السلام المنشود.
وفي الاختتام كرّم رئيس بلدية بيشيليه فرانشيسكو سبينا والنائب الإيطالي فرانشيسكو نابوليتانو فرقة «الكاهنة» وتسلمت الدرع التكريمية الجزائرية صباح بن زيادي.