ما بين القيصر والسلطان والساحرة… كما بين الشمال والجنوب

تماضر عباس

يبدو أنّ الأحداث المتسارعة التي تصيب الشمال السوري وتعلنه منطقة معارك وكسر عظم والأحداث التي أصابت الجار الشمالي تجعل كل ما يحصل متشابكاً صعباً ومبهماً إلى حدٍ ما، ويجعلنا نطرح الكثير من الاسئلةِ الاستفهامية حول الكثير من الأمور. فهل هناك رابط بين الانقلاب على أردوغان وبين الهجوم الشرس على حلب وأسقاط الطائرة الروسية في إدلب؟ يبدو الآن واضحاً أنّ مخطط الانقلاب على أردوغان كان أميركياً وخاصةً مرشحة الرئاسةِ الأميركية هيلاري كلينتون، والتي أصبحت مطمئنة لفوزها أمام منافسها الجمهوري دونالد ترامب وتتصرف تصرفات الرئيس الأميركي المقبل، ولكن بصلاحياتٍ مؤجلة، ويبدو أن الوقت الذي بدأ فيه أردوغان بالتقرّب إلى روسيا على الرغم من تصريحات الرئيس التركي السلبية بشأن التعاون مع أوكرانيا وبشأن شبه جزيرة القرم الروسية وتحركاته في بعض الساحات السياسية المعادية لروسيا، وخاصة سورية، وكيل الاتهامات لموسكو، إلا أنّ التفكير السليم قد انتصر في نهاية المطاف وبدأ بتصريح من رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم عن رغبة في مناقشة الملفات بين روسيا وتركيا ومنها سورية، وهذا ما أزعج هيلاري كلينتون وجعلها تفكر بتنفيذ الانقلاب على أردوغان ولكن هذا الانقلاب كان أعرجاً تماشياً مع المرحلة العرجاء للقرار الأميركي في هذه المرحلة الانتخابية، حيث ليس خافياً على أحد أنّ فتح الله غولن المعارض التركي وأكبر مخاوف أردوغان هو وكيل لدى شركة المحاماة التي تديرها هيلاري مع زوجها.

إذاً هي كانت محاولة للإبقاء على أردوغان أو من سيحلّ مكانه بعيداً عن روسيا، وبالتالي لإبقائه في حالة الحرب مع سورية مشكلاً أهمّ جبهات الحرب عليها وهذا ما يبرّر المكالمة الهاتفية حسب موقع روسيا اليوم بين الرئيسين بوتين وأردوغان التي جرت يوم السبت 16 يوليو/ تموز اليوم التالي للانقلاب العسكري، بمبادرة من الجانب الروسي، وإنّ فلاديمير بوتين أكّد على خلفيةِ محاولة الإطاحة بانقلابٍ عسكري عبر القوة بالسلطات التركية المنتخبة ديمقراطياً، نهج روسيا المبدئي برفض الإجراءات غير الدستورية والعنف في الدولة، وعبّر بوتين لأردوغان عن تمنياته في استعادة النظام والاستقرار إلى تركيا حتى النهاية. وقد وجدت نفسها المجموعات المسلحة أمام هجوم الجيش السوري وتحرير مناطق عديدة من حلب في حالةٍ حرجةٍ وخاصةً بعد تحرير منطقةِ بني زيد أكثر المناطق تحصيناً وأهمية وعدائية، ولكن على ما يبدو أنه بسبب عدم رغبة أميركا في السماح لنصر في حلب وعدم نجاحها في إنجاز هدنة أخرى، فكان لا بدّ من التصعيد وزجّ الإرهابيين بأعدادٍ كبيرة لفكِ الحصار وعلت لهجات شيوخ الفتنة مثل يوسف القرضاوي إلى عبدالله المحيسني إلى استذكار ابراهيم اليوسف الرمز الإخواني الذي غدر برفاقه في العام 1979 في حلب، وتسمية الغزوة باسمه ولرفع معنويات الإرهابيين أكثر فأكثر عادت الساحرة الشريرة كلينتون إلى الواجهة مع السعودية، وقبل قمة أردوغان بوتين لإسقاط الطوافة الروسية بصاروخ حراري من صناعة أميركية، حسب ما تقول «نيويورك تايمز» أنه سلّم من مستودعات السعودية بموافقة أميركية لجماعات النصرة «فتح الشام» حالياً.

إذاً لا تريد كلينتون في ولايتها الجديدة أن تحمل عبئاً كبيراً اسمه خروج تركيا من الصف الأميركي إلى الصف الروسي، ولكنها الآن خَسِرت ورقة الانقلاب العسكري وإحضار من هو بعيد عن الروس عن طريق الانقلاب العسكري بعد الغزل التركي الروسي الأخير، وعجزت عن تحقيقِ نصرٍ حاسم في حلب على الرغم من الضخ الشديد للمسلحين لتخفف من حماسة أردوغان اتجاه بوتين، ولم تقدر على جعل الروس يندفعون إلى ردّ انتقامي سريع عن حادثة الطوافة التي شهدت صمتاً روسياً، كي توحي بأنّ النصر في حلب روسي محض يجعل من مستوى التفاوض في جنيف أعلى بالنسبة لها

فما سيكون الحلّ الآتي والجبهة المقبلة؟ يبدو أنّ الأميركي لا يوفر الوقت أبداً ويسرع للإعداد دائماً لخططه القادمة، فبعد المباشرة بتغيير اسم جبهة النصرة إلى فتح الشام بعد الوعود التي قدّمها كيري إلى لافروف بمحاربة «داعش والنصرة» وتقديم اللازم لتعويمها كمعارضة معتدلة وإدخالها في العملية السياسية وإظهار الجولاني في عرض هوليوودي مثير للضحك! بدأ الحديث عما يسمّى جبهة الجنوب وهي الجبهة التي لم تخسرها بعد أميركا وهي الحدود مع الأردن، وتشير معطيات الميدان في درعا إلى تحضّر النصرة وفصائل الموت للهجومِ على اللواء 52 الاستراتيجي في بلدة الحراك واللواء 68 في خان الشيخ وبلدة سعسع والضغط على قرى السويداء وبلدة حضر مقابل الجولان السوري المحتلّ.

يبقى السؤال ما ستؤول إليه قمة القيصر والسلطان؟ وكيف سيكون الردّ الدبلوماسي الروسي القاسي الذي سيوجهه بوتين إلى الساحرة الأميركة الشريرة جراء التورّط بإسقاط الحوامة الروسية وقتل الجنود الخمسة؟ وبعد انتهاء معارك الشمال والانتصار المنتظر للجيش السوري، كيف ستكون معركة الجنوب؟ وهل ستكون المنطقة التي بدأت بها الحرب على سورية هي ذات المنطقة التي سوف تنتهي بها؟ لن يطول الأمر كثيراً قبل أن نعرف…

اترك تعليقاً

Back to top button