الإضحاك في الفنّ والإعلام… بين الكوميديا والسخرية العنصرية غير المقبولة

جهاد أيوب

لا فنّ في فنون العالم، يسخر من بعض الشعوب، كما هو حاصل في بعض الدول العربية. قد تسمع وتشاهد في بعض الأفلام الأميركية سخرية على غالبية رموزها من باب النقد الجارح، وكنّا نشاهد ونسمع أيضاً انتقادات لاذعة للروس والسوفيات والألمان والكنيسة في أفلام هوليوودية كثيرة، إنّما لم تصل يوماً إلى السخرية من الشعبين الروسي والألماني، بل كان نقداً مباشراً يُوجّه إلى الزعامات السياسية. ومن سافر إلى أميركا يسمع الكثير من النكات عن بخل اليهودي، إلا أن هذا الأمر لا يخرج عبر الفنّ إلا نادراً. ولا ننسى أن هناك تجمعات وأندية ثقافية وإعلامية في الغرب ترفض الخطاب العنصري في الفنّ والإعلام، ولا تؤمن بالفوقية البشرية اجتماعياً على عكس ما هو حاصل في بلاد العرب، حيث يتغنّون بالعادات والتقاليد وعدم الفضيحة وأخلاقيات الدين، بينما التصرّفات عكس الأقوال. وهذه قمة المصائب.

في مصر

في مصر، النكات عن الصعيدي منتشرة يميناً ويساراً، ولها تاريخها القديم والمستحدث على مرّ الأجيال. وقدّمت السينما وأيضاً المسرح في مصر شخصية الصعيدي بسذاجة مفرطة وتحديداً عبر أفلام عادل إمام. صحيح أنّه قدمها من قبله إسماعيل ياسين، لكنه قدّمها بتحفّظ وذكاء وبساطة. أما عادل إمام فقدّمها بسخرية مفرطة كأنه من خارج الكوكب إلى أن يصبح الصعيدي في نهاية العمل نابغة، وأشرف النبلاء، ومن رجالات الفكر والعفة والذكاء النادر. وخير دليل على صحة ما نقوله مسرحية «الواد سيّد الشغال»، و«الصعايدة وصلوا» لأحمد بدير إخراج جلال الشرقاوي، ناهيك عن السخرية من العربي الآخر كالخليجي واللبناني.

في حين كانت صورة العربي خلال الحكم الملكي، ومن بعده حكم جمال عبد الناصر واقعية، ومحبّبة من المجتمع المصري، وتحديداً الشامي حيث كان شريكاً «مهضوماً» في الفنّ المصري، وشاهدنا في السينما هناك شخصية اللبناني الضاحك بلغة مفكّكة من دون تطاول على اللبنانيين، ولم تشوّه صورة العربي أو تنتقد بالفنّ المصري إلى حين توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» مع الكيان الصهيوني في عهد السادات، فظهر المواطن العربي بشخصية ساذجة مضحكة سخيفة وجاهلة، خصوصاً المرأة اللبنانية التي أخذت شكلاً عجيباً غريباً يصل إلى حدّ التركيز على إنها امرأة ساقطة، همّها عمليات التجميل، وجمع المال، والغرف الليلية والسهر، وسرقة الأزواج من دون أن يصوّر فكرها، ومقاومتها، ونجاحاتها، وصبرها ونضالها الاجتماعي والسياسي، في وقت كانت الحرب اللبنانية الداخلية والصراع مع «إسرائيل» على أشدّه، وقدّمت المرأة اللبنانية البطولات المشرّفة، وصبرت صبراً كبيراً ونادراً، وحافظت على أسرتها، وتاريخها، وعلمها، وجمالها رغم صعوبة ظروف المرحلة… كلّ هذا غُيّب في الفنّ المصري ما بعد «كامب ديفيد». حتى فاتن حمامة في مسلسلها «وجه القمر» قدّمت المرأة اللبنانية على شكل سيّئ وخطير، وكّلنا استغربنا وقوع فاتن في هذه الهوّة والسقطة، وهي المكرّمة في لبنان من سيداته أكثر من مرّة، ومن كل بلد عربي تزوره، وهي فنانة مثقفة تعرف ماذا قدّمت المرأة العربية وبالتحديد اللبنانية، لذلك تقديمها هذا الوصف أضر بمسيرتها. وتلاها في أوائل التسعينات تقديم النموذج السيّئ عن الشخصية الخليجية الذي يرمي أمواله من أجل ملذاته في السينما المصرية والمسرح بينما التلفزيون المصري لم يتجه إلى هذا النوع من التجريح العربي كثيراً، وتضخمت هذه العلة إلى أن بدأت الصحف الخليجية تكتب ضدّ هذا التصرّف في الفن المصري، واعتبرتها ظاهرة سيئة تضر بتواجد المواطن المصري ومصالحه في الخليج.

وكلنا شهدنا منذ سنوات تصريحات بعض الفنانين المصريين ضدّ الجزائريين، والعكس، من أجل كرة القدم، وما كتب في بعض الصحف المصرية، وما قيل عبر بعض فضائياتها الخاصة بعنصرية وشوفانية، وبتعالٍ مريض ضدّ الجزائر كان مؤسفاً وخطيراً ومخجلاً، وحاول البعض في الجزائر تقليدهم، ولكن السلطات الجزائرية أمرت بعدم الانجرار إلى هذا المستوى، وخفنا من أن يعمد الفنان المصري إلى التطاول على الجزائري في مسرحه ومسلسلاته المقبلة، خصوصاً بعد خروج بعض الأصوات الفنية المصرية المحترمة الرافضة للتطاول على الآخرين بهذا الشكل الهمجيّ كما صرح علي بدرخان، وخالد يوسف، ومحمود حميدة، وانتقدوا تصريحات الممثلة إسعاد يونس العنصرية آنداك.

في الخليج

في دول الخليج قُدّم المواطنان اللبناني والمصري عبر اللهجة من دون التطرّق إلى سمعته ووطنه. وكان يقدّم اللبناني إعلامياً، والمصري سمساراً بصورة كوميدية محبّبة، ولم يسمح بالتطاول والتجريح على المواطن العربي وحتى على المواطن الخليجي بالمطلق. لا بل كانت الصورة الناقدة مباشرة لابن الوطن كما حال مسرح عبد الحسين عبد الرضا في الكويت، وغانم السليطي في قطر، وقبلهما الراحل صقر الرشود الذي رسم مسرحاً خليجياً محترماً، ولم يكن ليسمح باستخدام الكلام البذيء، ولا التطاول على الشعوب مهما كان الخلاف السياسي معها كبيراً.

بعد دخول صدّام حسين إلى الكويت، وتدمير ما يمكن تدميره في تلك الدولة المسالمة تغيّرت النظرة في الفنّ الكويتي تجاه المواطن العربي الآخر، علماً أنّ الكويت كانت عبر فنها وصحافتها شريكة مع الصحافة اللبنانية في القومية إلى حدود التطرّف، ولكن هذا تغيّر بعد الغزو، وأخذت حلقات تلفزيونية رمضانية ضاحكة ومنوّعة عبر أعمال داود حسين وانتصار الشراح تسخر من الشخصية العربية وبالتحديد المصرية والسورية، ووصلت إلى التطاول المباشر على الفلسطيني في أعمال مشابهة لوجوه شابة. وقُلّد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بأسلوب نافر ومزعج، وكذلك في مسرحيات محمد الرشود، وبالأخص في مسرحية «أم علي»، وقدّمت فيها الشخصية المصرية بانتهازية جارحة شكلاً ومضموناً، وتلتها بعض مسرحيات طارق العلي، وبعض البرامج الضاحكة الرمضانية عبر فضائية الكويت التي اعتبرت التركيز عبر الزكزكة والتجريح والسخرية على بعض المواطنين العرب مادة للضحك، ولنجاح الفقرات مباشرة بعد الغزو العراقي لكنها لجمت بعد سنوات، وحلّت مكانها السخرية من البدو وبالتحديد أبناء الجهراء، ووصلت هذه الزكزكات الساخرة إلى تعمد شباب منطقة الجهراء التطاول وضرب الفنان حسن البلام.

الصحافة الكويتية، وتحديداً «القبس» و«الأنباء»، تبنّتا الهجوم على برامج وأفكار كهذه، ورفضتا التطاول على المواطن العربي الذي قدّم الكثير للكويت والخليج، وبدأت تظهر بعض الأصوات الفنية الكبيرة كحياة الفهد وسعاد عبد الله، ترفض استخدام الفنّ منبراً للتطاول على أيّ مواطن أو بلد عربي، وساندتهما الأديبة ليلى العثمان. عند ذلك تنبهت وزارة الإعلام الكويتية لهذه الهوّة، وطلبت من البرامج الضاحكة التي تنتجها، وتصوّر في تلفزيونها الابتعاد عن هذا الأسلوب الجارح، فسارع الفنان داود حسين إلى تقديم 30 حلقة رمضانية ضاحكة «شارونيات» عن المجرم الصهيوني آرييل شارون كدلالة سياسية على أن العدوّ الحقيقي هو الصهيوني. وبعد ذلك غيّب التطاول والنقد على المواطن العربي كمادة سخرية في الفنّ الكويتي.

في قطر اختلفت الصورة، وأخذ المسرحيّ غانم السليطي بعد غزو الكويت يقدّم جرعات نقدية مدروسة تنتقد الأنظمة العربية والجامعة العربية مباشرة، وكانت أعماله امتداداً لعبد الحسين عبد الرضا في مسرحية «باي باي لندن» وغيرها، وما قدّمه دريد لحام في «غربة»، و«ضيعة تشرين»، و«شقائق النعمان».

ورغم نجاح الدراما الخليجية والقطرية منها، ظل الخليج أميناً على عدم تقديم صورة مشوّهة للعربي الآخر رغم وصول النقد عبر الصحف إلى حدّ أكبر من المباشر للأنظمة لا للمواطن العربي. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى بعض الصحف التي انتقدت السيد حسن نصر الله بكلام جارح و بعنصرية وطائفية مخجلة، وهوجم هجوماً لا يوصف لكونه يقاوم «إسرائيل»، ونقول إن ما كتب ضدّ السيد والمقاومة و«حماس» في بعض صحف الخليج لم يكتب في صحف «تل أبيب»، وكذلك حدث مع ياسر عرفات من الصحف الخليجية ذاته، وتحديداً الكويتية التي كانت ذات يوم متطرّفة في مدحه.

في سورية

الصورة في استخدام الفنّ للسخرية بين لبنان وسورية قاسية كلّياً، ومختلفة عن أيّ فنّ عربي، ووصلت إلى السخرية العنصرية بحدّية لا تحترم فيها خصوصية المواطن رغم تقارب الحدود والمصالح المشتركة في العيش والجغرافيا.

في سورية تنتشر النكات عن «الحمصي»، وهي شبيهة بنكات المصريين عن «الصعيدي»، واللبنانيين عن «أبي العبد البيروتي»، والأردنيين عن «الطفايلة»، ولكن تلك النكات المعنية بالحمصي تمنع من أن تكتب في الصحف السورية، ولا يسمح أن يشار إليها في المسلسلات والمسرح، هي ثقافة شعبية لا يتبنّاها الفنّ السوري ولا إعلامها، كما لا تتبنّى التطاول على الشخصية العربية بالمطلق، وإن حدث وكتب أحدهم بعنصرية ضدّ مواطن عربي يحقّق معه أو يمنع من مزاولة مهنته لأنه تطاول على عربي آخر.

ونذكر في ظل الحملة الإعلامية الشرسة التي توزّعت بين مصر والسعودية والبعض في لبنان على الشام، لم تنجرّ الصحافة السورية ومسرحها وفنّها إلى التطاول على شعوب تلك الدول، ربما تم انتقاد شخصيات سياسية لبنانية عبر الصحف بشكل مباشر، لكنها كانت بعيدة عن العنصرية والمناطقية الضيقة والمحدودة. وظلّ الفنّ السوري أميناً على طرح قضايا قومية مشتركة، حتى خلال الحرب المندلعة فيها منذ سنوات وإعلان السعودية وقطر وبعض الدول العربية اشتراكها فيها عبر الدعم المالي والعسكري، ظلّ نقد سورية لهم خجولاً ومحدوداً، وقد يكون نجدة أنزور من خلال فيلمه العالمي «ملك الرمال» مباشراً أكثر في نقد زعامات السعودية. ورغم ذلك تعتبر سورية أول دولة عربية شارك في أعمالها الدرامية كل الفنانين العرب من الأردن والعراق، ومصر، والجزائر، والمغرب، والسعودية والكويت، ولبنان، وفلسطين.. شاركوا في عمل واحد كما الحال في مسلسلات نجدة أنزور، وسلوم حداد، وعابد فهد، ودريد لحام، وأخذت بعض الوجوه الفنية اللبنانية بطولة مطلقة في الدراما السورية كالفنانة جوليا بطرس في «أوراق الزمن المرّ» إلى جانب نضال الأشقر وأنطوان كرباج، ناهيك عن مشاركة رفيق علي أحمد بأدوار تشكل فارقاً في المسلسلات السورية، وأحمد الزين، وفادي ابراهيم، وليليان نمري.

في لبنان

في لبنان الصورة مختلفة كلّياً إعلامياً وفنياً. ففي الإعلام شكّل بعضه سقوطاً محرجاً بالعنصرية، وتحديداً بعد 2004، وأصبحت بعض الفضائيات تتحدث بلهجة مؤسفة عن الآخر لم نعتده في لبنان، ولم يعتده الإعلام اللبناني، وهو الذي علّم العرب ألف باء الإعلام، والانفتاح، واحترام الرأي الآخر.

في الفنّ اللبناني كان ولا يزال «أبو العبد» مادة ساخرة وضاحكة لكلّ من يتعاطى تقديم البرامج وفنّ الضحك، وخلال الحرب الأهلية 1975 بدأت تظهر بشكل واسع السخرية من المناطق اللبنانية عبر مسرح «الشونسونييه» الذي بدوره أخذ ينتشر بشكل أكبر في لبنان لأسباب اقتصادية وأمنية وحزبية، ولكونه يكثر استخدام الإيحاءات الجنسية المباشرة. وجاء هذا النوع من الفن تقليداً لظهوره في باريس عام 1962، كان سابقاً يسمّى بـ«مسرح الساعة العاشرة» بقيادة إيفيت سرسق، وتخرّج منه وسيم طبارة، والمغنية إليسا وآخرون، وعمل فيه الراحل إبراهيم مرعشلي. حينها كان النقد خفيفاً وساخراً عن «واحد من الجنوب، أو واحد من الأشرفية، والجبل، والشمال، والبقاع والضاحية، وزحلة»، وأخذت نكات ضاحك الليل إيلي أيوب بالانتشار عن أهل الأشرفية، ويقال إنه تعرّض للضرب المبرح أكثر من مرّة من قبل شباب الأشرفية، ولا نعلم دقة هذا القول، وأصبحت تلك النكات موضة تُزاد إليها النكات عن «الحمصي» أو «في واحد سوري» لمناسبة ومن دونها.

ويكاد الصعيدي المصري حالياً شبه مغيّب في النكات الفنية اللبنانية، والخطورة تكمن في أن النكات هذه أخذت تظهر في الفضاء اللبناني عبر برامج ساخرة ناقدة فاجرة، وتحديداً في انتقاد الشخصية السورية، وأحياناً الشخصية الخليجية، وهذا الأخير ينتقد فقط عبر «إربت تنحلّ»، وهذا النوع من البرامج الانتقادية الساخرة المسيّسة بحجّة الضحك، وتسلية الناس تحسب على بعض الأحزاب والجهات السياسية في إعلامها. ومؤخراً أخذت تسخر بالطائفية والمذهبية بعنصرية للأسف، وتحديداً بعد اغتيال رفيق الحريري، وإن نزلت إلى الشارع، وبسرعة يُحمل أي مواطن «مع اختلاف ثقافته» هذه الفضائية أو تلك ثقل طائفتها، ومواقفها السياسية، ويبرّر لها سخريتها أو يهاجمها بحدّة ووقاحة لأنها لا تجاريه طائفياً وسياسياً.

بعض البرامج الساخرة في الفضاء اللبناني تطلّ علينا في كثير من المواقف والفقرات بعنصريتها ومحدوديتها، فتعرّفنا إلى «لا يملّ»، و«بعد العشرة»، و«بس مات وطن»، و«أوفريرا». أما البرامج الأكثر عنصرية وشوفانية وطائفية، وتطاولاً على من لا يجاريها في السياسة تكمن في ما قدّمته فضائية «mtv» في برامجها السياسية والترفيهية. هذه الفضائية عادت إلى البثّ مجدّداً عام 2009 بعنوان «صوت حرّ في خدمة الحرّية»، شكّلت في بعض برامجها العنصر الأساس في تدعيم فكرة العنصرية والطائفية في لبنان، وتجاريها قناة «المستقبل» من خلال برامجها السياسية، والترفيهية، وهنا لا نبرّر برامج الفضائيات الأخرى، لكنها هنا أكثر فجوراً، ووضوحاً.

غالبية الفضائيات اللبنانية تتعمد برامج للسخرية من الخصم السياسي ليس أكثر، والمؤسف أن برامج عدّة منها كانت تسخر من فئات ومناطق لبنانية، ومن الشخصية السورية بشكل مباشر، ولا ننسى أن بعض الأعمال المسرحية أخذت هذا المنهج والمنوال. بينما يعتقد أبطال مسرح «الشونسونييه» أنهم يضحكون الناس، وينسونهم همومهم السياسية، وإما عن تعمد أو عن جهل إنساني يطرحون العنصرية والتعصب، وينشرونها بين الشباب الذي يذهب لمشاهدتهم أو يشتري «سي دي» للتعليق والضحك من الخصم السياسي أو العربي.

قد يكون الفنان جورج خباز هو الوحيد من بين الشباب في لبنان الذي حاول الابتعاد قدر الإمكان عن الوقوع في هذه الهوّة، ونأمل أن يتنبّه إليها حتى يستمرّ في تأسيس مملكته على عكس ما يفعل زملاؤه في «دبابير» وغيرها، وكذبة «الكوميدي شو» التي يتربع عليها ماريو باسيل، وهذا الأخير يتعمد التهريج غير المسؤول والتجريح غير المبرّر. والفنانة ليليان نمري تصرّ أن تبتعد عن النعرة الطائفية والعنصرية في مسرحها، وحواراتها وفي أعمالها، ورفضت الكثير من الأعمال لكونها تحدثت عن شتم جهات عربية ولبنانية. والفنان المسرحي الوحيد الذي لا يستخدم العنصرية وحقّق نجومية مطلقة هو رفيق علي أحمد.

في لبنان عدد من الوجوه الفنية تعمّدت خلال الحرب الأهلية التطاول عبر النكات على فئات لبنانية وعربية، وكانت ممرّاً لاذعاً للضحك الرخيص والاستهلاكي الفقير وصولاً إلى التهريج الكلامي والحركات المقززة، وأخذت بعد 2004 بالتجريح وتقديم جرعات عنصرية لا تشبه تاريخ لبنان الفني والإعلامي، فلبنان الفن كان واجهة كلّ العرب، ولبنان الإعلام كان مدرسة في التحاور وتقبل الآخر، وهذه معضلة خطيرة، على القيمين على بعض الفضائيات اللبنانية والوسائل الإعلامية التنبه إليها لقطعها ولجمها، هي اليوم من الأمراض الكبيرة المنتشرة لبنانياً، وستشكل عداوة وحقداً داخلياً وخارجياً على المواطن والفن والإعلام اللبناني، ونحن بغنى عنه.

نقطة نظام

كلمة أخيرة، أو نقطة نظام لكلّ من يؤمن بالسخرية وتحقيق انتصاراته على حساب كرامة غيره في الفنّ والإعلام العربيين. إذا كنت تعتقد أنّ تصرّفاً كهذا ينبع من فكرة الحرّية، فعليك أن تعرف أن حدود حرّيتك تنتهي عندما تتطاول على كرامات غيرك. كما أنّ التعصّب في الفكر هو قمّة الجهل، فكيف بنا نتعمد التجريح والتطاول على الآخر بحجّة تميّزنا وفوقيتنا؟ نعم، وجبت محبة الوطن ولكن قبل كل شيء علينا أن نخلص لوطن الشراكة، ومن يحبّ وطنه يحترم أوطان الآخرين مهما كانت الظروف. ومن يتغنّ بأنه من أهل السياسة في الفكر والتصرّف عليه ألا يكون عنصرياً ويتصرّف بعنجهية في فنّه وخطابه، حينها يكون عنصرياً لا ينتمي إلى الفكر الإنساني.

كما لا بدّ من الإشارة إلى حقيقة تكمن في أنّ الساسة يتخاصمون فيتعصّب الجهل عند الفنان ويبدأ بالشتائم كما حصل منذ سنوات في مباراة الجزائر ومصر، ونذكر في نزول الناس إلى الشارع بعد أن قُلد السيّد حسن نصر الله في «بس مات وطن» على «إل بي سي»، والهجوم الجارح الذي تعرّض له مخرج البرنامج حينما قلّد البطريك صفير، وأيضاً كيف رفع الفنان راغب علامة دعوة قضائية سببت الخلاف الشهير مع المحطة المذكورة بسبب تناولها لشخصه، وشوّهت أغنيته في برنامجها الساخر، والحملة العشوائية التي رافقت برنامج «مقلب مرتّب» مع ليليان نمري وكاتب هذه السطور عبر «OTV» لكون إحدى فقرات البرنامج قلّدت رجل دين درزياً.

يوقع السياسي الفنان والإعلامي بالخصام مع الشارع، ويحتدّ هذا الشارع حتى الخصام والقتل، وبعد برهة يتم التصالح بين السياسيين، و«تبويس» الوجوه واللحى، ويبقى الفنان والفنّ الخاسريَن، ولا يفكر بهما السياسيّ حينما يتصالح مع ذاك السياسي. لذلك، إنّ الفن أشمل من فكر السياسيّ فلا تسجنوه في عنصرية تافهة وحقد يضرّ أكثر مما يفيد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى