هل للقاء الروسي التركي الجديد أثّر في سورية؟
العميد د. أمين محمد حطيط
توقع البعض بعد الانقلاب العسكري الذي أجهض بعد نجاحه في تركيا، وبعد التأكد من دور أميركي في الإطلاق والإجهاض، توقع البعض تغييراً في السياسة التركية حيال سورية كردّ فعل «انتقامي» ضدّ الغرب، ثم كان توقع آخر وبالاتجاه نفسه بعد أن حدّد موعدٌ للقمة التركية الروسية، توقع قيل فيه بأنّ تركيا التي تخوض بعد الانقلاب معركة إعادة بناء الدولة على أنقاض الأتاتوركية العلمانية، أنّ تركيا هذه ستجري استدارة كاملة نحو الشرق وتكون أولى مفاعيلها على الساحة السورية.
ولكن كما خاب ظنّ منتظري التغيير التركي في المرة الأولى أيّ بعد الانقلاب، اعتقد انّ الأحداث والسلوكيات التركية المقبلة لن تقدّم للمتفائلين بتغيير تركي ما في سورية أي عنصر او حدث يبرّرون فيه تفاؤلهم بتراجع تركي عن العدوان على سورية. وأننا نرى أنّ هناك أسباباً موضوعية حملت أردوغان الى سان بطرسبرغ في روسيا للقاء بوتين، ثم أنّ هناك ثوابت استراتيجية تركية وأطلسية تحول دون الاستدارة والتحوّل الجذري.
لقد ذهب أردوغان الى روسيا من أجل هدفين أساسيين لا يتصل أيّ منهما بالأزمة السورية. أولهما مسألة الاقتصاد التركي الذي تتسارع وتيرة تراجعه، التي تفاقمت بعد الانقلاب الفاشل الأخير، ويعلم أردوغان أنّ أحداً لا يستطيع أن يقدم خدمة له في هذا المجال كروسيا.
وثانيها سياسي ابتزازي ـ يريد أردوغان أن يوجه عبره رسالة تحدّ واستفزاز وانتقام من أوروبا التي توصد الأبواب أمامه ولأميركا التي كادت ان تطيح به في الانقلاب لولا تراجعها في الساعات الأولى لنجاح الانقلاب وتحويل النجاح الى فشل ثم الى كارثة على الانقلابيين.
أما بوتين الذي فتح ذراعيه بحذر لأردوغان، فإنه في قرارة نفسه يعلم انّ علاقته مع عضو في الحلف الأطلسي وعضو مميّز وذي خصوصية في الحلف لن ترتقي وليس بمقدورها أن ترتقي الى المستوى الاستراتيجي العسكري والأمني الذي يناسب الأمن القومي الروسي في ظلّ سياسة الأطلسي المضمرة او الملمح إليها بقول أو سلوك، وهي سياسة اعتبار روسيا عدواً. وبالتالي فإنّ بوتين يرى أنّ علاقة مطوّرة مفعّلة مع تركيا تسدي الى روسيا خدمة تحت ثلاثة عناوين: أولها عنوان منع المواجهة أو خفض حدتها. وهذا أمر هام للسياسة الروسية في معرض السعي لبناء دور روسي ريادي في النظام العالمي قيد الإنشاء، وثانيها عنوان اقتصادي حيث إنّ تركيا يمكن أن تسدي خدمات هامة لروسيا في هذا المجال، أما العنوان الثالث فهو برأينا مشترك مع تركيا ويتصل برغبة روسية بتوجيه رسائل الى أوروبا والغرب عامة بقيادة أميركية مضمونها أنّ بإمكان روسيا أن تحدث خرقاً في العلاقة مع عضو في الأطلسي.
أما الموضوع السوري، ومهما قيل عن مقاربته من قبل الطرفين، فإنّ اتفاقهما حوله لا يمكن أن يتعدّى العموميات وهذا ما يستشفّ مما صدر عن اللقاء من قبيل القول بوجوب الحل للأزمة السورية ووجوب إطفاء النار أو السعي إلى العمل المشترك لمعالجة الوضع أما كيفية القيام بذلك وكيفية معالجة الأزمة جذرياً بما يضمن لسورية أمنها ووحدتها ومستقبلها، فإنّ لكلّ طرف موقفاً منفصلاً عن الآخر الى حدّ قد يصل الى التناقض.
فتركيا العضو في حلف الأطلسي والعضو في منظومة العدوان على سورية لا زالت رغم إخفاق سياستها في سورية تتصوّر انّ الحلّ الإرهابي في الميدان هو المفتاح لحلّ الأزمة السورية، بما يمكنها من الإمساك بقدر معيّن من القرار السوري عبر جماعة الإخوان الذين تحتضنهم وتريدهم حكاماً او جزءاً أساسياً من حكام سورية. ومن أجل ذلك تستمرّ تركيا متناقضة مع روسيا في عناوين أساسية تتصل بالشأن السوري أهمها:
1 ـ موقع الرئيس ودوره في الحلّ، ففي حين ترفض روسيا أيّ مسّ بمقام الرئيس وترفض التعهّد بالضغط عليه، وفقاً لطلب منظومة العدوان، فإنّ تركيا تماثل السعودية في فجورها ووقاحتها بطلب تخطي الرئيس الأسد، والقول بإن لا حلّ في سورية بوجوده. وهي تعلم أنّ ما تريده مستحيل، ولكنها تستمرّ بالتمسك به كما تتمسك برفض شرعية الحكم القائم في مصر.
2 ـ العلاقة بالجماعات الإرهابية، ففي حين ترى روسيا انّ الجماعات الإرهابية بكلّ تسمياتها من داعش الى النصرة الى «جفش» النصرة بالاسم الجديد جبهة فتح الشام الى أحرار الشام الى… الى… كلها منظمات إرهابية يجب قتالها وتقوم فعلاً بالحرب عليها بزجّ طيرانها ضدّها في سورية، ترى تركيا أن هذه الجماعات هي حليفها الأساس وأداتها الرئيسة لتحقيق أهدافها في سورية ومن أجل ذلك تصرّ على احتضانها ورعايتها وإمدادها بكلّ ما يتطلبه عملها الإرهابي من دعم.
3 ـ مستقبل سورية الدولة. وهنا أيضاً قد نجد تلاقياً روسياً وتركياً حول وحدة الدولة السورية دون الغوص في الصيغة التي تحفظ الوحدة تلك، الا أننا نلحظ سعياً تركيا لإقامة نظام سياسي في سورية يكون خاضعاً لتركيا بشكل يجعل سورية بشكل او بآخر تحت القبضة التركية، ورغم انّ على أردوغان ان يعلم او يجب ان يعلم بأنّ ما يحلم به مستحيل، فإنه يستمرّ بالتمسك بحلمه الوهمي. أما روسيا فإنها لا تستطيع ان تتقبّل فكرة سقوط سورية في قبضة الحلف الأطلسي بشكل مباشر أو غير مباشر مهما كانت الظروف، لأنّ هذا الأمر يرتدّ عليها حصاراً استراتيجياً يطيح بكلّ آمالها في موقع ريادي في النظام العالمي الجديد فضلاً عما يشكله من مسّ بأمنها القومي.
وفي النتيجة نرى أنّ هناك تناقضاً عضوياً وبنيوياً في المصالح والأهداف التركية والروسية في سورية. تناقض يجعل التباين مستمراً بين الطرفين على هذا المسرح، ويجعل من اللقاء الروسي التركي الأخير لقاء المصالح الممكنة والاقتصاد المفعّل وتوجيه رسائل التحدي والاستغناء ليس أكثر. اما في سورية فكلّ شيء يبقى على حاله باستثناء تفاهم للتنسيق السلبي لمنع الصدام والحؤول دون تكرار الجريمة التركية بإسقاط الطائرة الروسية، دون ان يشمل أيّ تعاون إيجابي لمحاربة الإرهاب او التراجع التركي عن دعمه. وإذا اضطرت تركيا الى التراجع او الانكفاء لحظة معينة فإنّ ذلك يكون عائداً الى ظرف خارج عن إرادتها وليس له علاقة مطلقاً بصحوة ضمير او تراجع عن عدوان أو رفضاً للإرهاب.
أستاذ في كليات الحقوق اللبنانية