مجلس الشيوخ.. ذريعة للتمديد أو الستين؟
هتاف دهام
تؤكد الوقائع منذ التمديد الأول لمجلس النواب عام 2013 أن لا أحد من المكونات السياسية يتصرف كأنه «أم الصبي» ليخوض معركة حياة أو موت دفاعاً عن القانون النسبي أو وصولاً لقانون انتخابي جديد. أدخل القانون الانتخابي طاولات الحوار بمختلف أشكالها، في سجالات هزيلة. لا يُتوقع من هذه المداولات العقيمة أن تنتج قانوناً متحرّراً من القيود الطائفية، يساهم في الإصلاح السياسي.
تعمّد سفراء الدول الأوروبية منذ نحو شهر الاجتماع باللجنة النيابية المكلفة دراسة قانون الانتخاب. همس الديبلوماسيون الأوروبيون من ساحة النجمة للنواب في اللجنة أن الانتخابات البرلمانية في بلدانهم تجري وفق النسبية. لم يلقَ الكلام الأوروبي صدىً عند رافضي النسبية. لم يتلقف مؤيّدوها الرسالة ولم يبنوا عليها أية خطوات عملية.
إنّ انتظار قانون الانتخاب على قارعة التطورات السياسية والمصالح المتقاطعة سيبقى سيد الموقف. يدرك كلّ فريق من الأفرقاء السياسيين أن عملية الحسم السياسي لصالحه على حساب الآخر شبه مستحيلة. ستذهب الأمور في النهاية نحو تسوية، لا يزال توقيتها غير واضح.
كلّ شيء في البلد معطّل. محاولة تغيير «ستاتيكو» الطبقة السياسية الفاسدة بعيدة المنال وأشبه بخيال. ما يحكم هو منظومة المصالح المتداخلة بين الأطراف المتصارعين. كلّ طرف يبني حساباته على هذا الاساس. الغالبية من الأفرقاء السياسيين الممثلين في الحكومة والبرلمان ليسوا على استعداد لخوض معركة دفاعاً عن قانون انتخابي جديد يحقق عدالة التمثيل وصحته. لو توفرت قوة سياسية، لا تستطيع وحدَها في ظل المنظومة الطوائفية المتجذرة تحقيق أي خرق.
لم تتصدّ الأحزاب السياسية لتمديدَي المجلس النيابي. سلّم الجميع بالمصير المحتوم تحت حجج واهية سمّيت وقتذاك الظروف الأمنية. وافق الفرقاء على التمديد، مع مراوغة في التعهّد بإقرار قانون انتخاب جديد. اتفق المجتمعون في لجنة التواصل على مدى أربع سنوات على عدم الاتفاق على قانون جديد. حوّلوا قضية «إبريق الزيت» في جلسة 13 تموز الماضي إلى هيئة الحوار الوطني. أيقظ المتحاورون مجلس الشيوخ من سبات عميق، في محاولة لإنقاذ الحوار وإقرار قانون انتخابي على أساس النسبية الكاملة. كل المؤشرات حتى الساعة تؤكد أنّ الأمور ستصل طريقاً مسدوداً. يجمع المعنيون على أهمية إنشاء مجلس شيوخ. ربما يتفقون على انتخابه، وفق الاقتراح الارثوذكسي المقدّم من التيار الوطني الحر. لكن ماذا عن الصلاحيات والرئاسة؟ وماذا عن انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي؟
لم يحدث أيّ تغيير في المواقف الانتخابية البرلمانية. كلّ يغني على دائرته سواء الفردية أو «القضائية» أو»المحافظتية» على أساس النظام الأكثري. يؤكد فريق 8 آذار ضرورة إجراء انتخابات على أساس لبنان دائرة واحدة وفق النظام النسبي. يوافقه التيار الوطني الحر الرأي نفسه. إذا تعذر ذلك، فإنّ مشروع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قد يشكل الحلّ النسبية على أساس 13 دائرة أو ما اتفق عليه في بكركي النسبية على أساس 15 دائرة .
يدخل البلد في تشرين الثاني في محظورَيْن إما التمديد للمجلس النيابي مرة ثالثة، أو إجراء الانتخابات على أساس الستين. هل ستحاول القوى المعنية إحداث ثغرة في الأشهر الثلاثة الفاصلة والتصدّي لذلك؟ أم أنها ستستسلم للأمر الواقع؟ هل تجمع المطالبة بالنسبية شمل اللبنانيين؟ هل تلجأ الأحزاب الرافضة «قانون الدوحة» إلى الشارع كوسيلة ضغط على المستأثرين بالسلطة والحكم؟ هل تقفز قفزة نوعية بالامتناع مثلاً عن خوض الانتخابات أو مقاطعة جلسة التمديد الثالث؟
قد تكون هذه الأسئلة في المرحلة الراهنة بعيدة كلّ البعد عن الواقع رغم أهميتها. يقول مراقبون إنّ البلد مشلول. لا سلطة تُخاطَب. بالكاد هناك دولة. الشارع وضعه حساس ودقيق، من السهل مذهبته وتفجير البلد بأكمله.
تختلف الظروف اليوم عن ظروف العام 2005 والعام 2007. عندما نزل مناصرو فريقي 8 و14 آذار إلى الأرض. كان وقع ساحتي رياض الصلح والشهداء مختلفاً، لأنّ الوضع الإقليمي كان مستقراً وسورية بألف خير، رغم صدور القرار 1559 وخروجها من لبنان. فقد كاد الوضع أن ينفجر.
أما راهناً، فيختلف الوضع تماماً. لا أحد يبدو أنه سيتكتل مع الآخر. هناك من يقول إنّ التيار الوطني الحر أعدّ العدة لإجراء انتخابات على أساس الستين، لأنّ تفاهم معراب سيسحب من تحت بساط تيار المستقبل 15 نائباً إضافياً.
عليه، يبدو أنّ الجهوزية للتحرك في الشارع شبه معدومة حتى الساعة. الأجندات المشتركة بين القوى المتحالفة غير موجودة… يعتبر داعمو النسبية الكاملة أنّ أية حركة غير محسوبة أو دعسة ناقصة، قد تكون هدفاً ليستثمرها الأعداء وتأخذ البلد الذي بالكاد يحافظ على هدوئه واستقراره إلى المجهول. ولذلك، يبقى الكلام عن ثورة بيضاء لزوم ما لا يلزم.
وفق القرار الصادر عن المجلس الدستوري، فإنّ التمديد الثاني لمجلس النواب سقط مع إجراء الانتخابات البلدية وزوال الذرائع الأمنية. هل ستجري الانتخابات في أيار المقبل؟ أم أنّ ذريعة مجلس الشيوخ ستكون سبباً للتمديد أو للانتخاب على أساس الستين.