الموصل.. و«باربي» داعش!

نظام مارديني

يمرّ العراق منذ احتلال الأميركيين له، بمرحلة من تهديم الهوية لم يشهد لها التاريخ مثالاً وهو كان يعيش خللاً ذاتياً قبل الاحتلال .. فالكراهية للآخر تنمو وتزدهر، في حين لا تتوقف اليد المعوليّة عن هدم المجتمع.. لا بل الى تهديم وإفناء الإنسان العراقي نفسه، إما عبر تحوّله الى « كاره» لكل ما عداه أو قاتل غيرَه!

لا أحد هنا خارج الانعزالات السياسية التي تدور فيها اللحظة التاريخية العراقية.

ليس من السهولة قتل الانعزالي مثلما ليس من الصعوبة قتل الانعزالية.. الشتيمة ليست رأياً، حين تبلغ الآلام الحناجر أو عندما لا حكمة ولا موضوعية، فتكون الشتيمة صعود سلم اليأس لبلوغ ذروة اللغة.. وهو ما يذكّرنا بما قاله بريخت: «حقاً إنني أعيش في زمن أسود.. الكلمة الطيبة لا تجد من يسمعها»..

إن النقاط الأكثر سخونة في مرحلة ما بعد «داعش» ستكون أكثر تعقيداً، وربما ستكون بوابة لنزاعات مفتوحة ولاسيما في ما يتعلق في مسألة من سيحكم المناطق التي تم إخلاؤها وكيف؟

فكيف سيواجه العراقيون مشهد ما بعد تحرير الموصل، في ضوء تبشير «واشنطن بوست» من أن العراق مقبل على حروب وصراعات دموية بين أطيافه ومكوناته الرئيسية!؟

المعركة المقبلة ستتحوّل من «داعش» في نينوى ومناطق أخرى الى انتشار «متفق عليه» بين التنظيم وواشنطن .. فالأميركيون لن يتركوا العراق وهم يتمسّكون بالمثل القائل: ابقوا الذئب خلف الباب! من خلال إظهار أزمة المناطق المتنازع عليها بين أربيل وبغداد.

تحرير الموصل، المدينة الموغلة في القدم، من مخالب «داعش» سيعكس صراحة أهمية المعركة المقبلة ليس على صعيد العراق بل محيطه القومي والإقليمي والدولي، وبالمقابل علينا أن ندرك جملة حقائق غاطسة وربما هي غير منظورة، والتأكيد بأن أهم الاستحقاقات الوطنية لمعركة ما بعد تحرير الموصل تتمثل أولاً، بظهور أزمة المناطق المتنازع عليها. وهذا ما ظهر جلياً على السطح، حيث سارع القادة الأكراد إلى إطلاق تصريحات أكدوا خلالها بأن كل المناطق المتنازع عليها والتي تمّ تحريرها أو سيتم تحريرها لاحقاً في الموصل سيجري ضمّها إلى الإقليم!

أما النقطة الثانية فهي الوجود العميق لـ «داعش» في الصحراء الممتدة من الرمادي الى جنوب الموصل.

أما النقطة الثالثة فهي أن «المجتمع الداعشي» هو شعب الدولة المفترضة أي الدولة ما بعد داعش؟

لقد حذّر نواب في البرلمان العراقي «إقليم كردستان» من «قضم» أراضٍ من مدينة الموصل وضمّها إلى الإقليم، لافتين إلى أنه في حال أصرّت قوات البيشمركة على البقاء في المناطق التي حرّرتها من داعش ضمن محافظة نينوى، فإن الشعب سيتّخذ خيار «المواجهة».

لكل الجماعات العراقية، وما دون الجماعات، ولكل القبائل، وما دون القبائل، اللعب داخل العراق وبالعراق هو اللعب داخل جهنم وبجهنم في آن واحد!!

لم يحِن بعد انفصال «إقليم كردستان»، لأن أميركا لا تريد انفصالهم الآن بهدف الحصول على المزيد من التمزيق للنسيج العراقي والتفتيت والشرذمة.

وفي ضوء ذلك كان من الوهم تصديق أن رأس «داعش»، بات يمثلُ «باربي» المجتمع الدولي الذي يودُ الخلاص من صُداع بلاد ما بين النهرين!

ولكن هل نحن أمام «هؤلاء الذين يراقصون الغيب، في مهرجان وثني قد لا يتوقّف عند الأبد؟».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى