ثلاثة أخطار داهمة تهدد وجود الدولة اللبنانية
علي البقاعي
من جرود عرسال إلى معبر العبودية ومن شواطئ الناقورة إلى القرنة السوداء مروراً بطريق الجديدة والضاحية الجنوبية ومعراب، يواجه اللبنانيون بمذاهبهم وانتماءاتهم وأحزابهم وتياراتهم أخطاراً عدة يهدد كل منها وجودهم.
الخطر الأول هو انفراط عقد الدولة اللبنانية التي انتهت مدة رئيس جمهوريتها قبل 100 يوم، تاركاً خلفه حكومة أمر واقع تعمل على استمرارية الحكم وتسير أمور الناس بالحد الأدنى، وتوزيع توقيعه على 24 وزيراً يتمتع كل منهم بصلاحيات الرئيس. دولة يستمتع الذين ينادون بسلطة الدولة ليلاً ونهاراً بتعطيل جلسات مجلس نوابها، ويضعون الشروط التعجيزية لانعقاده ويستنبطون ساعة يشاءون القوانين التي تجيز لهم تعطيل الجلسات ويعودون عن قراراتهم ساعة يرتضون أو ساعة يرتضي من بحمدهم يبجلون. خطر زوال الدولة قائم في الأيام المئة المقبلة، إذا لم يجر انتخاب رئيس للجمهورية قبل انقضاء مدة مجلس النواب الحالي الذي هو بدوره سيشكل أزمة حكم إذا لم تجر الانتخابات النيابية في 16 تشرين الثاني المقبل، إذ ستفقد الدولة مقوماتها الرئيسية الثلاثة وأعني رئاسة الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الوزراء الذي سيصبح من دون فعالية ، وبهذا ينفرط العقد الجماعي الذي وقعه اللبنانيون في الطائف للحفاظ على لبنان وطناً أبدياً لللبنانيين جميعاً.
الخطر الثاني الذي يهدد لبنان، هو الخطر المتمثل بالعدو اليهودي المتربص بنا على حدودنا الجنوبية والذي ينتهز فرص ضعفنا وتفككنا للانقضاض علينا. عدو غدار لم يتوان عن تدمير قرى وطننا ومدنه وشوارعه ومحطات الكهرباء وخزانات المياه والجسور والمستشفيات انتقاما من مقاومة أذلته ومن شعب رفض التطبيع معه. عدو لن يغير من معتقداته الدينية والتاريخية بأن أرض بلادنا كلها هي له معتمداً على وعد «يهوي» مطبقاً تعاليم نبيه يشوع بن نون بأن يدمر ويحرق ويستعبد كل ما يشكل خطراً على «شعب إسرائيل»، هذا الخطر يتفق معظم اللبنانيين حالياً على مواجهته.
الخطر الثالث هو الأدهى والأخطر على بقاء لبنان وهو خطر الإرهاب المختبئ تحت ستار الدين، خطر لا يهدد فقط تكوين المجتمع اللبناني بل يهدد وجوده الديني والإثني ويغير معالم تاريخه وجغرافيته ويزيله عن خريطة العالم كوطن متميز يجمع أكثر من 18 طائفة ومذهب يتعايشون على أرضه منذ أن كانت الأديان.
خطر داعش هو الخطر الأدهى على وجودنا، والغريب العجيب أننا ما زلنا نرى ونسمع أن هناك من لا يزال ينكر وجود هذا الخطر، ومن لا يزال يخفف من خطورة هذه المنظمة الإجرامية، ومن هو جاهز لأن يحمل فكرها وعقيدتها وأهدافها نتيجة الحقد الذي سببه الشحن الطائفي والمذهبي على مدى عشر سنوات.
الإرهاب لا يؤمن بلبنان أولاً ولا بلبنان مطلقاً، لا يؤمن بقوات لبنانية أو مستقبل أو قرنة سيدة شهوان وهو بالطبع لا يؤمن بوطني حر ومردة ومرابطون واتحاد وأمل وبالتأكيد لا يؤمن بوجود حزب الله أو حزب قومي. كلنا سواسية أمام الإرهاب. الدواعش يستهدفون المسيحيين والشيعة والدروز والعلوييبن والآشوريين والأيزيديين والأرمن والسريان والأكراد، ولن يستثنوا السنة معتدلين أو متحزبين، لأن هؤلاء جميعاً لا يفكرون مثلهم ولا يطيلون اللحى مثلهم ولا يلبسون الزي الأفغاني مثلهم ولا ينحرون ويسلبون ويقتلون مثلهم. إرهابيو داعش لا يؤمنون بحليف أو نصير أو صديق أو متعاون، وخير دليل هو معارك داعش والنصرة على أرض سورية. إذ يشهد العالم أنواعاً وطرقاً للقتل لم يشهد مثلها التاريخ وما جرى في عرسال ضد جيش لبنان الذي يضم كل مكونات المجتمع، فهل وفر الدواعش وأخوتهم أياً من أبناء الطوائف في الجيش؟ أو هل وفر الدواعش أبناء بلدة عرسال وممتلكاتهم وهي التي آوتهم يوم فروا من سورية بعد أن هزمهم جيش سورية في القلمون؟
لبنان بحاجة إلى عقد اجتماعي وسياسي جديد يضع الأمور في نصابها، ويضع أسساً لدولة يكون فيها المواطن ابناً للوطن وليس الطائفة أو المذهب. فمتى يستفيق قادة هذا الوطن ويضعوا مصلحته فوق كل مصلحة؟ لتجاوز هذه الأخطار الداهمة التي لا تهدد وجوده فقط بل وجودهم قبل أن يأتي اليوم الذي قد نضطر جميعاً، للعمل سوية لاستعادة هذا الوطن من غزوة مفاجئة والعمل على إعادة بناء كنائسنا ومساجدنا وحسينياتنا وخلواتنا إذا لم يتفق أصحاب الرأي على أي وطن يريدون.