هل يمكن تفعيل الاشتباك السياسي مع الاحتلال حول القدس…؟
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
مع اقتراب موعد الانتخابات المحدّد للمجالس البلدية والمحلية بدأ الحديث والهمس حول لماذا لا يتمّ شمول القدس في الانتخابات المحلية والبلدية؟ تلك القدس التي يجري المرور على موضوعها مرور الكرام، وهي التي ليست بحاجة لمشاورة أهلها أو الرجوع إليهم في شؤونهم، فهناك «جهابذة» يفكرون عنهم ويحدّدون لهم شكل مشاركتهم او تمثيلهم في هذه الانتخابات. فالتعيين سيّد الموقف وكفى، فهو نصرٌ مبجلٌ! واشتباك سياسي مع المحتلّ حول وضع المدينة ما بعده اشتباك!
إذا كان الكلّ يُجمع على أنّ القدس عاصمة الدولة الفلسطينية المستقبلية.. فهل من الممكن تعزيز وتفعيل وتطوير الاشتباك السياسي مع المحتلّ لترجمة ونقل هذا الشعار إلى فعل على أرض الواقع؟ وهل هذا ممكن في ظلّ عجز فلسطيني على المستويات المنظمة كلّها، السلطة، مؤسسات المجتمع المدني والقوى السياسية؟
الاشتباك السياسي حتى بطابعه وبعده الشعبي والجماهيري السلمي والهادف إلى تعزيز ارتباط المقدسيين مع بنيتهم الفلسطينية في مختلف المجالات والميادين سياسياً، اقتصادياً واجتماعيا وثقافياً وتعليمياً الخ… بحاجة إلى أدوات وحوامل وروافع وقدرات وإمكانيات، وليس «زت» حكي وبيانات وشعارات ونقاشات عقيمة حول جنس الملائكة؟
من يريد أن يشتبك سياسياً حول القدس، فالفرصة الآن مؤاتية، بعيداً عن الانتخابات المحلية والقدر العالي من التشابكات والتعقيدات في هذا الجانب، والذي هو بحاجة إلى استراتيجية شاملة، وليس مسألة رغباوية وعاطفية تأتي كردود فعل على إهمال أو نسيان لموضوع القدس من قبل مَن هم ينادون ليل نهار، بأنّ القدس عاصمة الدولة الفلسطينية الأبدية. الاشتباك السياسي مع المحتل في مدينة القدس في قطاع أو مجال يجب النظر إليه والتعاطي معه كمشروع نضالي متكامل، فهو بحاجة إلى حوامل تنظيمية وقوى سياسية ومجتمعية وجماهيرية، وبيئة حاضنة له، وقوى داعمة لهذا المشروع، تتجنّد لها المؤسسات الحقوقية والإنسانية والمؤسسات الدولية متسلّحين بقرارات الشرعية الدولية حول القدس وكونها مدينة محتلة وفق القانون الدولي.
هذه القوى والمؤسسات التي ستحمل الراية وتشكل رأس حربة وقيادة أركان للمقدسيين في الاشتباك السياسي مع المحتل حول القدس، يجب أن تكون لديها إرادة وعزيمة وتصميم ومستعدّة للمواجهة والتصدّي ودفع كلفة وأثمان هذا الاشتباك السياسي، والتي قد تطال قياداته بالاعتقال والإبعاد والإقامات الجبرية وغيرها. فالاشتباك هنا يضرب في الصميم مشروع المحتلّ لمدينة القدس، ويشكل مساً لمشروعه بفرض سيادته على القدس، فالقطاع أو المشروع الذي سيجري الاشتباك سياسياً مع المحتلّ حوله، يجب التعبير عن هذا المشروع وأهدافه من خلال برامج وخطط وطرائق عمل وآليات تنفيذية، أما الحديث عن تعزيز ارتباط المقدسيين ببنيتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية، وهذا ممكن التحقيق من خلال مشاركة المقدسيين في الانتخابات المحلية والبلدية إما انتخاباً أو تعييناً أو تمثيلاً، فنحن جرّبنا الشكلين الثاني والثالث، فهناك دائرة شؤون القدس في منظمة التحرير التي يرأسها عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة أبو العلاء قريع، والمؤتمر الوطني الشعبي، الذي ترأسه المرحوم عثمان ابو غربية منذ انتخاباته الأولى والأخيرة في كانون الثاني/ 2008، وكذلك قانون أمانة القدس الصادر عن المجلس التشريعي في عام 2003 والمصادق عليه من الرئيس الراحل أبو عمار في 30/5/2004.
الشكل الذي بحاجة إلى مواجهة وتحد حقيقي مع الاحتلال، هو الانتخابات وتحديداً في المناطق والبلدات التي تخضع لسيطرة ومسؤولية بلدية الاحتلال والتي جرى ضمّها قسراً.
أيّ تحدٍّ لسلطة الاحتلال سواء في ما يتعلق بمشاركة المقدسيين في الانتخابات البلدية أو أي من القطاعات الأخرى، فنحن سنكون أمام مشروع نضالي حقيقي، وإن كان طابعه سلمياً، وستكون له كلفة وأثمان، وأيّ إنجاز أو نصر يتحقق في الميدان نتيجة هذا التحدي والمجابهة سوف يبنى عليه ويراكم لانتصارات في ميادين ومجالات أخرى، أما إذا كانت المسألة مجرد شعارات و«هوبرات» إعلامية من خلال سياسة التعيين أو شكلانية الانتخاب والتمثيل، فاليافطات والدكاكين القائمة باسم القدس على مختلف مسمّياتها كثيرة، وهي لم تقدّم خدمات جدية وحقيقية للمقدسيين، وتحوّلت إقطاعيات واستثمارات خاصة… وحتى لا نبقى في إطار العموميات فسأطرق إلى قضايا ملموسة وجوهرية، يمكن أن تشكل حالة اشتباك سياسي مع المحتلّ، وهي تمسّ أخطر قطاع في مدينة القدس، ألا وهو قطاع التعليم، حيث نشهد حرباً شاملة على المنهاج الفلسطيني والعملية التعليمية في مدينة القدس، والمحتلّ يستهدف هذا القطاع بـ «الأسرلة» من أجل «كيّ» و«تقزيم» وتشويه الوعي الفلسطيني والسيطرة على الذاكرة الجمعية لشعبنا، وفرض الرواية الصهيونية كاملة، ليس فقط على المسار التعليمي، بل على المسار التاريخي كلّه، ناهيك عن التعدّي على الهوية والثقافة والكينونة والوجود العربي الفلسطيني في القدس، وتقزيم الجغرافيا وتزوير التاريخ وسلخ الإنسان عن واقعه ووجوده الوطني، وزعزعة ثقته وقناعاته بحقوقه وثوابته وعدالة قضيته ومشروعه الوطني.
هنا يجب علينا أن نشتبك سياسياً مع المحتلّ، لكي ننتزع حقنا في تعليم فلسطيني، فالمحتلّ بعد عدوان حزيران 1967 سيطر على قطاع التعليم الحكومي، مستشعراً خطر التعليم برؤية فلسطينية على وجوده، ودور هذا التعليم في الحفاظ على الهوية والثقافة الوطنية.
القوى والفصائل والمؤسسات واللجان والشخوص الاعتبارية المقدسية، أدركت خطورة ما يقوم به المحتلّ في قضية التعليم، حيث الهدف هو التذويب وطمس الهوية والوجود، ولذلك خاض المقدسيون إضراباً شاملاً لمدة ثلاثة شهور، عطلوا فيها الحياة التعليمية في كلّ مدينة القدس، وأمام إصرار المقدسيّين وصمودهم وثباتهم على مواقفهم، تراجع المحتلّ عن فرض المنهاج «الإسرائيلي» على المدارس الحكومية المقدسية، وما أشبه اليوم بالبارحة، فالمحتلّ وعبر وزارة التربية والتعليم «الإسرائيلية» التي يقودها المتطرف نفتالي بينت تشنّ حرباً شاملة على المنهاج الفلسطيني في المدينة، وتستخدم سلاح المال والميزانيات وقضايا الترميم للمدارس للمقايضة بالمنهاج، تعليم وفق المنهاج «الإسرائيلي» تصرف ميزانيات وتنفذ أعمال ترميم، تعليم بمنهاج فلسطيني تُحرم المدرسة من الميزانيات وأعمال الترميم.
هذا القطاع يشكل ساحة خصبة ومؤاتية للاشتباك السياسي للمحتل، وقد يشكل النجاح فيه «بروفا» لنجاحات وإنجازات أخرى، تصل لحدّ الاشتباك الشامل في قضية الانتخابات البلدية، فهل هناك قوى ومؤسسات وسلطة ومنظمة لديها إرادات وحوامل لخوض هذا الاشتباك السياسي السلمي وتحمّل تبعاته؟ أم المسألة «هوبرات» وشعارات والتسليم بالواقع، وعبر سياسة التعيينات وكفى الله المؤمنين شرّ القتال.
Quds.45 gmail.com