المرأة…. القدرة والنبض
جانيت متروك الحسن
كُتب الكثير عن المرأة، لكن كل ما كتب قصّر عن إيفائها حقها بنسبة ما.
فليست المرأة كائناً خرافياً يحيا في عالم افتراضي حتى نتشوّش في البحث فيه. وليست المرأة كائناً أسطورياً لنكتب عنه ما ليس فيه وما ليس ينطبق عليه.
تتكاثر النصوص التي تتناول المرأة بأوصاف ونعوت عدّة متباينة حتى التناقض. بل تُحاك حولها أقاويل وأساطير وأوهام وأحكام مسبقة لدرجة تبقي القارئ حائراً متسائلاً: مَن المرأة؟ وكيف تفكر؟ وكيف ترى نفسها وموقعها ودورها ووظيفتها في الحياة؟
وكيف كانت الأجوبة المتوقعة، وأيّاً كان جنوحها أو منطقها، فالمرأة كائن حيّ مستحق الحياة بكرامة ونبل واحترام. ولد ويحيا ويموت. يتوجّع ويفرح. يغضب ويهدأ. يجوع ويعطش. يكبر ويشيخ. يضحك ويبكي. كائن معطاء بطبيعته. كلّما ذكرنا المرأة تبادر لذهننا الفرح والولادة والتجدد والخلق والجمال والتضحية والصبر والطاقة الجامعة الأسرة والقوة التي تحمينا صغاراً وتحفر بصمتها في الأرواح والقلوب.
لعلنا واقعياً لا يمكننا أن ننظر إلى المرأة إلا من زاوية مواطَنَتها، بما تعني من نسق حقوق طبيعية ومدنية لها وواجبات تترتّب عليها. وأوجب حقوقها هو الاحترام والحب. بهذين وحدهما يمكن للمرأة أن تحيا بسلام وتنطلق في مجتمع آمن متعاون وحاضن.
وإذ يوفّر الاحترام دافعاً إيجابياً للمرأة لتحيا في أسرة دافئة تمنحها الحب وتحميها من الأخطار التي تتهدّد الكائن البشري من مرض وهواجس واكتئاب وعنف ملموس أو حاد، فيؤسس هذا الاحتضان الثقة بنفسها والثقة بالآخرين. والثقة لا تعني الغفلة والتسليم بحسن طوية الإنسان بشكل مطلق بل تعني القدرة على النجاح والتآلف والقدرة على الدفاع الكافي لردع الخطر ورده.
قدرة المرأة على ردع الخطر ممكنة لاحقاً أي بعد حصوله. وعادة ما ينحصر بالاعتداء على سلامتها ونفسها وعلاقاتها ومكانتها الاجتماعية وصحتها النفسية ودورها الخاص المؤثر.
وقد تكون قدرة ردع الخطر سابقة على حصول الخطر. وأفضل طريقة للردع المسبق للخطر على المرأة هو تحصين المرأة بالثقافة المتخصصة وإكسابها شهادة تمكنها من العمل بإرادة حرة وباستقلال نسبي كافٍ يضمن تقديرها لنفسها وتحقيق رفع الشأن ورفع درجة وعيها القانوني والنفسي والاجتماعي والمهني والجنسي.
«المجتمع معرفة والمعرفة قوة». مبدأ صحيح. فكلّما عرفنا ازددنا قوّة واتسعت مداركنا ومعارفنا ومساحة الوعي والدور والتكافل والتضامن داخل مجتمع متآلف ومنسجم ومستقر. إذ لا أحد أكثر من المرأة يدفع ثمن اللااستقرار الاجتماعي والتخلخل الوظيفي والبنيوي في المجتمع، كحال الحرب التي شهدها لبنان الشقيق ويعانيها بصعوبة هائلة وطننا سورية الحبيبة.
المرأة الأمّ تتراكم عليها مسؤوليات جليلة، حفظ العائلة، دعم الزوج، تنمية الأبناء بدءاً من صغيرهم حتى يكبر، مريضهم حتى يشفى، غائبهم حتى يعود، كما قالت تلك الأعرابية التي ذهب قولها مثلاً تتداوله الأجيال.
ويكاد يغيب من أمام بصرها وبصيرتها التفاتها لنفسها كأنثى. وهذا الالتفات واجب أساس على كل أنثى لتحرص على صحتها النفسية وتبقيها زهرة عطرة تشع جمالاً ورقة وتواجه قسوة الواقع الاجتماعي والسياسي والأمني حولها ببعث الحياة مجدداً فيه.
لكن عندما ترى المرأة السورية اليوم، ومثلها معظم المرأة اللبنانية واليمنية والعراقية، أنها في مواجهة السباق نحو رغيف الخبز وحبة الدواء وجرعة الحليب والسقف المظلل للأسرة من قيض الصيف وقر الشتاء وزخ المطر ونخر الصقيع، تبقى أنوثتها جذوة تحت رماد فقرها وتشردها قيد الإيقاظ لما تهب نسمة حب، فتستعيد الألق والوهج والدهشة.
إلى المرأة في بلادي: لا تضعفي اليوم مهما قسا الواقع. تذكري أن المرأة الألمانية لمّا تناقص عدد الرجال في بلادها شدت إلى وسطها مأزراً ونزلت إلى ساحات المدن والقرى المدمرة ترفع أنقاضها فبلغ مجموع ما رفعته منها خلال سنوات خمس مئات ملايين الأطنان. ففتحت الطرق وأعادت تأسيس البيوت والمباني العامة وزرعت روحها زهراً لتحيا ألمانيا فوق الجميع.. فرفعت ألمانيا لها النصب في ساحاتها تقديراً على الدور الجليل والواجب القومي بالوفاء!
فهل أنت مستعدة لرفع الأنقاض من مدننا وقرانا، كما فعلت في لبنان والعراق وفلسطين، وستفعلين في اليمن، لتنهض سورية وتحيا بك!
لَعمري أنك قادرة وها أنت بدأتِ في سورية من تولي رئاسة مجلس الشعب السوري بالسيدة النائب بهية عباس، المرأة البرلمانية الأولى عربياً تتولى رئاسة برلمان بلادها، فتولّي ثقتك بنفسك لتكوني، بل لنكون!
ناشطة ثقافية سورية