لا تنسَوا ولا تُشغلكم حرب سورية عن اليمن

– يذكّرنا كثيراً أحباؤنا وأخوتنا وأصدقاؤنا ورفاق دربنا إلى فلسطين والذين لم يسنوها يوماً من جداول اهتماماتهم، حتى والقذائف تنهمر فوق رؤوسهم فينتبهون لمناسبات إحيائها في قلوبهم وشوارعهم وبيوتهم وكتاباتهم، وفي حربهم يتذكّرون أنها الأصل والبوصلة، ألا ننساهم في حمأة الحرب التي تدور في سورية وحولها وعليها، وهم يقولون لنا إنهم يدركون محورية حرب سورية، ويتابعونها بشغاف قلوبهم، ويعلمون أنها حرب صياغة نظام عالمي جديد ونظام إقليمي جديد، وأنه بحكم التاريخ والجغرافيا، فإن التوازنات الحاكمة التي ستحيط بالصراع مع «إسرائيل»، وبالمكانة التي يحتلها مَن يدورون في فلكها، ويتبارون بالتطبيع معها، ويعتبرونها القوة الحامية لعروشهم عند ساعة الحقيقة التي تكتبها الشعوب، لكنهم يذكروننا بما يجب ألا ننساه وهو أن اليمن لا يخوض حربه فقط، وهو يعلم أنه تحت الأطماع السعودية دائماً، لكنه يعلم أيضاً أن حساب السعودية معه هو حساب أميركي «إسرائيلي»، يعبر الاستهداف فيه عن الأسباب ذاتها التي تراها قوى المقاومة في الحرب المفتوحة عليها في سورية.

– مهما تباينت التحليلات في أسباب الحرب على اليمن فهي تلتقي عند حقيقة مَن يخوضها، حلفاؤنا وأخوتنا في ضفة، من أنصار الله وسائر القوى الوطنية وحلفائهم، وقبالتهم من يموّل ويشغل الحرب في سورية، من حكام الرياض ومن معهم وأدواتهم في اليمن، ومن خلفهم الأميركي و«الإسرائيلي» بصورة لا تنتظر التحليل ولا الاستنتاج فكل شيء بائن وواضح. ومن أمامهم تنظيم القاعدة الذي يقاتل في سورية واليمن بفرعيه الرسمي والمهجّن المسمّى داعش، للأهداف ذاتها والأسباب ذاتها، وضمن التحالفات ذاتها، لكن ما يهم تثبيته هنا بعيداً عن التحليلات هو أن النصر في اليمن له نكهة مختلفة. فهو كما نصر المقاومة في تموز 2006 نصر مباشر على القوة الكاسرة التي هزمت كل جيوش المنطقة وقدّمت عبرها درساً للشعوب في مدرسة كيّ الوعي، بألا تفكر يوماً بخوض حرب أخرى، سيكون نصراً على القوة التي تحكمت بالقرار العربي وقالت كل شيء يُشترى بالمال ولكل شيء ولكل أحد سعراً، ومثلما استنهض نصر تموز شعوب المنطقة والعالم، وكسر كيّ الوعي بكيّ وعي معاكس، سيكون لنصر اليمن فعل استنهاض مشابه، حيث لن يكون بعده من مكان لحقبة السواد التي ظللت التاريخ العربي لنصف قرن منذ هزيمة العام 1967 التي صنعت سمعة «إسرائيل» كقوة لا تُقهر وأنتجت بالتزامن والتوازي ما عُرف بالحقبة السعودية.

– في اليمن رجال قادرون على صناعة المفاجآت والمعجزات، حتى لمن يعرفهم عن قرب، ويملكون ذكاء القتال والتفاوض، وإدارة السياسة والميدان بما يجعلهنّ أساتذة في محور المقاومة، لا مجرد تلامذة نجباء وحسب، فيكفي صناعة الصمود الخارق والأسطوري في ظل حصار قاتل وحرب حارقة، وليس من حولهم منفذ للماء ولا لليابسة إلا وفيه للسعوديين إصبع، وفي سمائهم لم يبق للطير مكان بعدما احتلته القاذفات السعودية و«الإسرائيلية»، وبقي لهم في البر القرار، وفشلت كل المحاولات في التقدم لأبعد مما بلغت كل الغزوات الأجنبية، من العثمانيين والإنكليز الذين لم يتمكنوا من تخطي خطوط عدن وبعضٍ من جوارها في جنوب اليمن، ويكفي ما تمكنوا من إثباته في حنكة السياسة بتوقيت استيلادهم للمجلس السياسي الحاكم، في توقيت الذكاء الاستراتيجي مع اقتراب بلوغ الحرب النهايات، وفي تمسكهم بالسعي لحل سياسي يحتكم لصناديق الاقتراع، وما أظهروه من شجاعة وحسن تدبّر يوم الزحف إلى صنعاء ومن ثم بلوغ باب المندب، وعدن، وما يفعلونه اليوم في رسائلهم النارية ضمن محافظات اليمن السليبة في جيزان ونجران وعسير.

– لليمن دَيْنٌ في أعناق كل حرّ بين العرب وفي العالم، ولليمن قضية، ولليمن هوية، لكل ذلك لليمن ألف تحية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى