المتاهة التركية..
نظام مارديني
أحدث التدخل العسكري الروسي في سورية تقلّبات عميقة وحادة في المتغيّرات الداخلية والإقليمية التي كانت حاكمة في العدوان على سورية، كان من أهمها أن خيارات تركيا تجاه الأزمة أصبحت محدودة، وغير قادرة على التفاعل معها بشكل مؤثر، وجعل أنقرة في مواجهة مباشرة مع روسيا وإيران، وأوقفت كل من طهران وموسكو الاندفاعة التركية النشطة التي كانت تركز على مفهوم «العثمانية الجديدة». وما كان من الممكن أن تشكله هذه الاندفاعة من تنشيط للخلايا الإخوانية في المنطقة وعلى تخوم روسيا. ولعل بوتين يعرف أن أنقرة استجلبت «المجانين» من القوقاز وآسيا الوسطى من أجل القتال ضد الدولة السورية.. ولكن ماذا إذا عادوا إلى مسقط رأسهم؟
الانقلاب العسكري الفاشل فى تركيا مثّل نقطة تحوّل في كشف ما بدأته أنقرة بمراجعة سياساتها اللاعقلانية والعدوانية تجاه سورية. وإذا كانت رسالة الاعتذار التي وجّهها أردوغان لبوتين هي التي دفعت واشنطن لتوجيه رسالة قاسية للرئيس التركي عبر التفجيرات الإرهابية في مطار اسطنبول والقول له من إن هناك خطوط حمراً على أنقرة أن لا تتجاوزها في العلاقات مع بوتين. واستطراداً نحو إيران وما يشكّله ذلك من تنازلات في سقف الأزمة السورية، وكان تصريح رئيس الحكومة التركية علي يلدريم من أن «الأسد يمكنه أن يبقى رئيساً». وإن غلّف هذا التصريح بالمؤقت، كان هذا التصريح بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. وقد جاء التفجير الإرهابي الذي نفّذه تنظيم داعش في غازي عنتاب أمس، رداً طبيعياً من أن أنقرة ذهبت بعيداً عن المشروع الأميركي في العدوان على سورية، وليس بعيداً عن الضغط الأميركي بالدعم الذي تتلقاه «وحدات الحماية الكردية» على طول الحدود السورية التركية.
تفجير «غازي عنتاب» هو لضبط إيقاع أميركي واحد في سورية.. ولكن ماذا عندما تتعدّد الإيقاعات؟ كلام أميركي عن لاواقعية اردوغان وعن أضغاث أحلامه، فيما هو يقف على رأس مجتمع ينطوي على كل احتمالات الخراب!؟
أردوغان يعلم أن الإيرانيين زوّدوه بمعلومات فائقة الأهمية وفائقة الحساسية حول إقدام الجماعات الإرهابية على تشكيل خلايا في الداخل التركي. وهو ما كان قد حذّر منه ضابط تركي رفيع المستوى أقيل من منصبه بسبب ذلك، وحتى في التعليقات التركية بدت المخاوف واضحة من انتقال الوباء العقائدي إلى المؤسسة التركية..
في ضوء ذلك، فإن عوامل عديدة أجبرت أردوغان على التفكير في تغيير طريقة تعاطيه مع الأزمة السورية، ولعل فائض الحيوية الكردية كان من هذه العوامل التي تشكل أرقاً لأنقرة في ظل انشغال أوروبا المثقلة بالأزمات القتصادية، وأميركا التي تقاتل بدماء غيرها وهي ليست مستعدة للعودة الى ثقافة التوابيت!
أردوغان الذي تراقص كثيراً، حيناً بثياب السلطان، وحيناً بثياب الديكتاتور الذي يستعمل المصطلحات نفسها الشائعة في الأدبيات العربية البائسة.. قيل له في طهران خلال إحدى زياراته، «كفاك انتحاراً… اذهب إلى دمشق. صافح الرئيس بشار الأسد، وابحثا في الحل. هو يعطيك رأيه في الحل في تركيا وأنت تعطيه رأيك في الحل في سورية».
أستاذ التاريخ الأميركي جيمس بلاكستون يقول «للوهلة الأولى، تشعر أن أردوغان يستضيف في داخله جثة أحد السلاطين. للوهلة الثانية ترى فيه الديكتاتور الذي يتعثّر بظله».. هذا كله دفع الكاتب التركي جنكيز تشاندار إلى التساؤل عما إذا كان أردوغان بحاجة هذه المرة إلى الأسد؟