سمير يزبك… الموجوع الذي قزَّمنا!
عملاق آخر يختم حياته صامتاً، ويوقظنا من سكرتنا لا بل سباتنا مذهولين، نسأل أنفسنا: أيّ قومٍ كَفَرةٍ نحن، نستلّ أقلامنا فقط عند الموت، ونتذكّر الأعمال فقط عند الموت، ونستحضر كلّ آيات التبجيل والمديح لا بل البكاء والنواح… فقط عند الموت.
الذين عنيتهم بـ«نا» الجماعة، نحن الإعلاميين، مبتدئين ومخضرمين وكباراً، كتّاباً وموثّقين ومؤرشفين. أي تقزيم قزّمنا إياه رحيل الكبير سمير يزبك؟ اليوم، لا بل منذ أمس، بدأ التبجّح واستذكار الراحل، ولم يأتِ على ذهن أحدٍ منّا أن نتذكره وهو حيّ. لم تشأ أي قناةٍ تلفزيونية لبنانية، خصوصاً تلك التي تروّج للسخف والانحطاط والسيقان والصدور والخلفيات الأكبر والأصغر، والشفاه الأكثر انتفاخاً، وحسناء سخيفة أنشأت لنفسها دولتها الـ«ستان» الخاصة، والعارضة الأكثر تفاهةً التي شغلت اللبنانيين والمذيعين بقضاياها الشخصية السخيفة. لم تشأ هذه القنوات أن تكرّم الكبار في حياتهم، أمثال سمير يزبك اليوم، ووديع الصافي وصباح وعازار حبيب وعصام رجّي أمس… واللائحة تطول. عذراً يا كبارنا، فجمال أصواتكم وبهاء إطلالاتكم، وسموّ أخلاقكم لا يجذب المعلنين!
للتلفزيونات والدولة بوزارة الثقافة الفقيرة المنسية فيها، نقد كبير قد يصل حدّ الثورة على هذا الشحّ وهذا الغلوّ في التناسي، والإبحار سريعاً نحو السياسة. نعم، إعلامنا المرئيّ اليوم يقدّس السياسة والسياسيين، وإن عرض فنّاً فيكون هابطاً كمستوى أصحاب هذه القنوات. ووزارة الثقافة الفقيرة في موازنتها، فقيرة أيضاً في إرادة مسؤوليها، من الوزير إلى الحاجب، إذ لم نر مسؤولاً في هذه الوزارة يصرخ لزيادة موازنة وزارةٍ يجب أن تكون الأمينة على التاريخ والتراث والثقافة والفن.
لكن، فلتسمحوا لي يا زملائي الإعلاميين، أن نحاسب أنفسنا أوّلاً. أن نحاسب أقلامنا وبنات أفكارنا. خصوصاً في الإعلام المقروء، وما يسمّى اليوم الإعلام الإلكترونيّ. فلنشكّل جبهةً موحدةً ضدّ هذا الإسفاف الذي يعتري الثقافة والفنّ في لبنان، ولنكرّم كبارنا اليوم، لا بدروع تقديرية فقط، إنما بالإضاءة على ما يعانونه من تجاهل. صدّقوني هم بحاجةٍ إلينا أكثر من حاجتهم إلى غيرنا.
فلنتذكّر كبارنا اليوم قبل أن نُقزّم حدّ الاضمحلال.
أحمد طيّ
غيّب الموت أمس الفنان الكبير سمير يزبك عن 77 سنة، بعد صراع مع المرض، غنّى خلالها المواويل إلى جانب عمالقة الطرب في لبنان والعالم العربي أمثال وديع الصافي، نصري شمس الدين، صباح، جوزف عازار، عصام رجّي وغيرهم.
الراحل مطرب وملحن لبناني اشتهر بصوته الجميل، ولد عام 1939 في بلدة رمحالا قضاء عاليه جبل لبنان ، وهو من الناعمة، وبدأ مسيرتة الفنية بعمر 16 سنة.
كانت طفولته في منطقة برج البراجنة حيث كان أهله يسكنون، وكان يزور بيت عمّه في بلدة الناعمة، أما في بلدة رمحالا فكان بيت جدّه. تعلّم في مدرسة مار الياس شويا، وكان يرتّل مع فرقة الكنيسة في القداديس، وكانت والدته تتمتّع بصوت جميل وهي من حفّظته موال «عشنا يا ليلى»، فمن الطبيعي أنّ فنّ الغناء عاش في داخله، وحبته الحياة صوتاً جميلاً رخيماً، فكان أنّى وجد يدندن ويغنّي من عمر 7 سنوات، وكان كلّ من يسمعه يشيد بقوّة صوته وحنّوه، ثمّ دخل المعهد الموسيقي الكونسرفتوار، وفي الوقت نفسه عمل مزيّناً في صالون جوزف عتيق للنساء.
ذات يوم جاءت السيدة فيروز إلى الصالون وكان يسرّح شعرها، فقال لها: «أريد أن أُسمعك صوتاً على المسجّلة»، وأسمعها الصوت فذهلت وأعجبت به جدّاً، فقال لها: «إنّ هذا الصوت هو صوت سمير الذي يقوم بتمشيطك»، وفوراً، أخذته السيدة فيروز إلى الرحابنة وبدأ العمل معهم في الكورال عام 1961، ويقول إنه يفتخر بهذه المرحلة التي أفادته جدّاً وأثقلته صوتاً وموسيقى.
ثمّ تقدّم إلى إذاعة لبنان بأغنية الراحل وديع الصافي «لبنان يا قطعة سما»، وفاز بالمرتبة الأولى، وطبعاً تابع في الكونسرفتوار ودرس على آلة العود.
ومن هنا بدأت مسيرته الفنية مع أغنيته الأولى وهي للشاعر الراحل زين شعيب «طوّل غيابك يا حلو»، ثم توالت الأغاني ومنها: «روحي وروحك يا حلو»، و«يا مصوّر صوّر».
عام 1963 تعرّف إلى الملحن الكبير روميو لحود وأصبح بطلاً في مسرحياته، ومعظمها عُرض في بعلبك وبيت الدين والأرز، ومن هذه المسرحيات الغنائية: «الشلال»، و«القلعة» و«الفرمان» وغيرها، وبقي مع لحود حتى عام 1970.
ومن الستينات إلى عام 1975 كانت المرحلة الذهبية، وعند نشوب الحرب الأهلية، انتقل إلى سورية حيث كُرّم بشكل كبير من سورية الدولة والشعب الذي كان يردّد أغنياته بشكل كبير ورائع.
وكانت أغنية «دقي دقي يا ربابة» هي الأحب إلى قلبه، وهي من كلمات وألحان روميو لحود، وحازت على شهرة عربية وعالمية، مع العلم أن أغنية «اسأل عليّ الليل يا حبيبي» من الأغنيات المهمة جدّاً، ولكنها لم تأخذ حقها الكامل. كما أنّ سمير يزبك يعدّ من الأوائل في الموشّحات والمواويل إضافة إلى أن موال «موجوع»، رُدّد بشكل كبير وما زال حتى اليوم يحظى باهتمام الإذاعات.
سمير يزبك فنان كبير توقّف صوته قبل عدة سنوات من وفاته، لكن أغانيه بقيت في حناجر محبّيه في لبنان والعالم العربي.
تجدر الإشارة إلى أنّ التعازي تُقبل اليوم الثلاثاء 23 آب والخميس 25 منه في كنيسة قلب يسوع بدارو من الساعة 11 قبل الظهر إلى السادسة مساءً. ويبدأ التجمّع قبل الدفن على مفرق بسوس الساعة العاشرة صباح غدٍ الاربعاء والتوجّه إلى رمحالا قضاء عاليه بموكب حيث ستقام صلاة الجنازة والدفن في كنيسة مار ميخائيل الساعة الخامسة عصراً، وتقبل التعازي أيضاً يوم الأحد في صالون كنيسة مار ميخائيل رمحالا من الساعة 12 ظهراً إلى السادسة مساء.