من الأسرى الفلسطينيين: إلى مَن لا يهمّهم الأمر!
نصار إبراهيم
إلى مَن لا يهمّهم الأمر من قيادات سياسية وأحزاب وتنظيمات ومؤسسات ما يُسمّى بالمجتمع المدني… وأيضاً إلى المؤسسات الدولية، وخاصة تلك التي ترفع بلا خجل رايات حقوق الإنسان… وأيضاً إلى مَن لا يهمّه الأمر من مثقفين وإعلاميين ومقاولين وأدباء وفنانين ومع ذلك يواصلون الثرثرة حول الكرامة والأخلاق…
نحن الأسرى الفلسطينيون والعرب… آلاف الأسرى… من جميع القوى السياسية الفلسطينية ومن الوطنيين الذين لا ينتمون لأيّ تنظيم سياسي… نودّ أن نعيد تذكيركم… بمعنى إنعاش ذاكرتكم… أننا هنا في سجون ومعتقلات وزنازين ومراكز التوقيف الإسرائيلية منذ سنوات والكثيرون منا منذ عقود… بعضنا «حوكم… وبعضنا قيد التحقيق… وبعضنا موقوف إدارياً…».
وكما تعلمون أو لا تعلمون… نحن آلاف الأسرى هنا في المعتقلات ليس لأننا لصوص دجاج أو أرض… كما لسنا هنا بتهم فساد واغتصاب أو تحرّش جنسي… أو بسبب شيكات مزوّرة أو بسبب صفقات تجارية مشبوهة… كما لسنا هنا لأننا نتاجر بالممنوعات والدعارة… أو بسبب جرائم قتل وثأر قبلي أو عائلي… أو لأننا اجتزنا حدود وطننا خلسة… أو لأننا حرقنا زرعاً أو سمّمنا ماءً أو شاة… كما لسنا هنا لأننا نتلاعب بالأسعار ونضارب بالعملة… أو لأننا نبيع لحوماً وطحيناً فاسداً أو مواد منتهية الصلاحية… أو…
لعلمكم جميعاً، هذا إنْ كنتم لا تعلمون، نحن هنا ليس بسبب أيّ من كلّ هذا… إننا هنا لأننا بالأصل مقاومون فلسطينيون وطنيون، إننا مقاومون وفق الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية والإنسانية كلّها، والأهمّ وفق أعراف شعبنا وحقوقه وشهدائه وجرحاه… نحن هنا لأننا نقاوم عدواً محتلاً وقاتلاً… لأننا نقاوم من أجل حرية شعب فلسطين ومن أجل حقوقه الوطنية الثابتة… إننا هنا لأننا بالأصل قضية وطنية… قضية حرية وكرامة وحياة.
الآن، وأنتم تتناولون قهوتكم وطعامكم كاملاً… بمعنى أنكم تتناولون في كلّ وجبة السعرات الحرارية المطلوبة وفق معايير منظمة الصحة العالمية… وعلى مدار وجبات النهار والليل… الآن في اللحظة ذاتها اتخذ من بيننا مئات الأسرى قرارهم بالإضراب المفتوح عن الطعام… بمعنى أنّ رغيف الخبز على مسافة يد، ولكننا قرّرنا أن لا نمدّ أيدينا إليه… هل تعرفون لماذا؟
سنقول لكم إنْ كنتم نسيتم أو لا تعلمون… لقد قرّرنا ذلك كاستمرار طبيعي لمقاومتنا من أجل حقوق شعبنا الفلسطيني وحقوقنا وحقوقكم أيضاً.
هذا يعني أننا نقاوم بلحمنا وعطشنا وجوعنا… نعرف أنّ أجسادنا تضعف وتذوي… لكن ذلك هو سلاحنا المتاح… إننا نقاوم بما نملك ونحن وراء القضبان…
لقد مرّت أشهر على إضراب بعضنا… وأسابيع على العديدين منا… وساعة وراء ساعة، ويوماً وراء يوم تتلاشى أجسادنا وتضعف الطاقة… لكن الإرادة هي هي…
ومع ذلك ورغم الألم والجوع والعطش، فإنّ قرارنا الحاسم أن نواصل خيارنا… أما أنتم فواصلوا الثرثرة… فيما يواصل الاحتلال حربه علينا وعلى شعبنا… فيدفع كلّ يوم إلى المعتقلات بكوكبة جديدة من شباب فلسطين…
ولكن كلّ هذا لا يهمّ… المهم لماذا بتقديركم نخاطبكم اليوم؟
إننا وبصراحة نخاطبكم ليس رهاناً ولا انتظاراً… بل من أجل توضيح مسألة واحدة فقط… وهي أننا نريد أن نقول لكم بأننا نعرف كلّ أشكال وأنواع ومظاهر النفاق والكذب والتخاذل والعجز والتواطؤ…
نعرف ذلك الضجيج الأجوف الصادر عن الأفواه الكبيرة لخبراء ما يسمّى بحقوق الإنسان… فهم لا يخجلون من ذواتهم ومن أفواههم الشرهة… فيواصلون ممارساتهم التافهة في إعطاء المحاضرات عن حقوق الإنسان… فيما تلتبس كلماتهم وترتجف سيقانهم حين يقفون أمام قضيتنا نحن آلاف الأسرى الفلسطينيين… فلا يجرؤون على انتقاد الاحتلال والصراخ في وجهه بجرأة وشجاعة… بل يبحثون عن لغة مائعة وضبابية وباهتة تشبه دورهم وخطاباتهم…
إننا نعرف كلّ هذا… ولكننا نعرف أيضاً وبالوضوح ذاته، أننا نخوض المواجهة بما تيسّر من ناس وأهل وشعب يقفون معنا لا يكلّون أو ييأسون… هؤلاء هم الذين لن يخذلونا… لن تخذلنا الأمهات والآباء والأطفال والأبناء والبنات… لن يخذلنا من لا يزال يؤمن بفلسطين وقضية شعبها… لن يخذلنا مَن يؤمن فعلاً بالحرية والكرامة والإنسانية… لن يخذلنا أحرار أمتنا وأحرار العالم… هؤلاء هم مَن يهمّهم الأمر قولاً وفعلاً…
أما مَن لا يهمّهم الأمر فلا يهمّنا أمرهم إلا من باب أن نقول لهم إننا نعرفكم ولن يخدعنا أحد… لا بالكلام ولا بالوعود… فالمسألة تتجاوز ما هو أبعد من الكلمات… المعادلة هي: مَن يقف مع قضية شعب فلسطين ومَن يقف ضدّها…؟ مَن يقف معنا ومَن يقف ضدّنا…؟
فنحن آلاف الأسرى اليوم نمثل التجسيد الأكثر كثافة وإنسانية وكرامة لتلك القضية النبيلة… ومَن لا يقف معنا، فهو بالتأكيد لن يقف مع قضية فلسطين وشعبها…
تلك هي المسألة… وعدا ذلك لا معنى لأيّ كلام… والسلام.