تقرير

نشرت صحيفة «ناشونال إنترست» الأميركية تقريراً جاء فيه: قال محمد أيوب، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ميشغن الأميركية، إن محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا أفسحت المجال لتحسين العلاقات التركية الإيرانية، مطالباً الولايات المتحدة الأميركية بالترحيب بذلك التطور الذي من شأنه دعم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

استهل الكاتب المقال بقوله: كانت عودة العلاقات التركية الروسية، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة بؤرة الاهتمام لدى العديد من المحللين الشهر الماضي. ومع ذلك، ذهب طي النسيان تطور مماثل إن لم يكن أكثر أهمية، وهو تحسين علاقات تركيا مع إيران بعد الانقلاب، الذي مر من دون أن يلحظه حتى البعض.

وأضاف أن هذا التطور الأخير، لا بد من الاعتراف، كان في إطار التكوين لبعض الوقت، وليس حصراً نتيجة لمحاولة الانقلاب الفاشلة. ومع ذلك، أعطت محاولة الانقلاب، وفشلها، دفعة قوية للعلاقات بين تركيا وإيران.

وأشار الكاتب إلى أن التحسن في العلاقات حدث على رغم أن إيران، مثل روسيا، تؤيد نظام الأسد في سورية. وقد ساهم عدد من العوامل في هذا التطور.

أولاً، أدركت الحكومة التركية في الأشهر القليلة الماضية أن تنظيم «داعش»، وليس الأسد، ينبغي أن يكون الشغل الشاغل في سورية. هذا الإدراك بزغ في أنقرة مع تصاعد هجمات التنظيم الإرهابية في البلاد، والتي تركت عشرات القتلى.

الكاتب ذكر أن الهجوم على مطار اسطنبول في 28 حزيران، الذي أسفر عن مقتل واحد وأربعين شخصاً، أثبت أنه الضربة القاضية التي فجرت أسطورة أن الأسد يشكل خطراً كبيراً على الأمن التركي.

فقد أوضح الهجوم أن الدول المجاورة لسورية، إيران والعراق وتركيا، تواجه تهديداً وجودياً يتمثل في تنظيم «داعش». كما أوضح أيضاً أن إيران وتركيا يجب أن يتحركا نحو وضع استراتيجية مشتركة من أجل القضاء على هذا التهديد.

وهكذا، وبحسب ما أورده الكاتب، أصبح الأسد مشكلة ثانوية من وجهة نظر تركيا.

تغير الموقف التركي تجاه نظام الأسد، كان ذلك واضحاً من تصريح أدلى به رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم في 13 تموز الماضي، ورصده الكاتب في مقاله.

رئيس الوزراء التركي قال: «أنا واثق من أننا سوف نعيد العلاقات مع سورية إلى وضعها الطبيعي نحن في حاجة إليها. إننا نقوم بتطبيع علاقاتنا مع إسرائيل وروسيا. أنا متأكد من أننا سوف نعود إلى علاقات طبيعية مع سورية أيضاً».

الكاتب أوضح أن هذا التغيير في الموقف التركي مهد الطريق لتحسين العلاقات مع إيران التي تشارك بنشاط في الدفاع عن النظام السوري بشكل غير مباشر من خلال حليفها حزب الله، ومباشرة من خلال عناصر من الحرس الثوري الإيراني.

ثانياً، قاد التمرد السوري إلى حقيقة، وذلك على حد سواء لأنقرة وطهران، أن المستفيد الرئيس من تفكك سورية، والذي من المرجح أن يحدث إذا سقط الأسد، سيكون الأكراد السوريين، وخصوصاً «حزب الاتحاد الديمقراطي»، الذي لديه صلات قوية، ليس فقط بـ«حزب العمال الكردستاني» في تركيا، بل أيضاً بـ«حزب الحياة الحرة الكردستاني»، حركة التمرد الكردية التي تشارك في قتال طهران.

ثالثاً، بدء سريان الاتفاق النووي الإيراني في كانون الثاني الماضي، وما ترتب على ذلك من رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضها مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على طهران، وهو ما اعتبرته كل من أنقرة وطهران بمثابة دفعة قوية للعلاقات التجارية.

بحسب الكاتب، كانت العلاقات التجارية بين البلدين قد تعرقلت على إثر فرض قيود مالية على إيران، وهو ما حال دون أن تقوم تركيا بدفع مقابل لموارد الطاقة التي تستوردها من إيران، وبالتالي الحد من تدفق الغاز والنفط.

تركيا تشتري تقليدياً نحو ربع احتياجاتها من النفط، ونحو خمس احتياجاتها من الغاز من إيران. رفع العقوبات، وفقاً للتوقعات في كلا البلدين، من المرجح أن يضاعف ثلاث مرات حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 30 مليار دولار في غضون سنتين.

وتابع الكاتب بقوله إنه في حين أن هذه العوامل الكامنة كانت الدافع في عمل قيادة البلدين نحو علاقات أفضل، فقد منح الانقلاب الفاشل زخماً إضافياً لهذه الحركة.

كانت القيادة الإيرانية قلقة بالفعل من أن انقلاباً ناجحاً سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار، ليس فقط في تركيا، بل في المنطقة برمتها، وستكون له عواقب وخيمة على إيران نفسها. وقد تجلى ذلك بوضوح من حقيقة أنّ جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، كان على اتصال مع نظيره التركي طوال ليلة الانقلاب.

وأشار الكاتب إلى أن التعاطف والدعم المقدم من قبل النخب الإيرانية للحكومة التركية، كان له الأثر النفسي الكبير على الرئيس أردوغان وكبار صنّاع القرار في أنقرة.

كما أضاف أن الموقف الإيراني جاء مغايراً لمواقف الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، التي كانت في أحسن الأحوال فاترة في دعمها للحكومة التركية. في معظم الحالات، كانوا أكثر اهتماماً بوعظ الحكومة التركية بعدم إساءة استخدام سلطات الطوارئ في أعقاب الانقلاب، وليس بحماس الترحيب في نجاحها في سحق الانقلاب.

من وجهة نظر الكاتب، فقد ارتفعت الأسهم الإيرانية، لذلك، بشكل حاد في تركيا. إضافة إلى ذلك، فإن حركة التطهير الضخمة التي طالت عناصر حركة غولن من مواقع السلطة والنفوذ بعد الانقلاب الفاشل، كان مرحّباً بها من وجهة النظر الإيرانية.

للإيرانيين، لا يهم ما إذا كان أنصار غولن قد شاركوا في الانقلاب أم لا. ما يهم أكثر هو أن أنصار حركة غولن مناهضين لإيران، ومعادين للشيعة. لذلك، لا بدّ من إزالة بقايا الحركة من دوائر صنع القرار في تركيا لجعل العلاقات بين تركيا وإيران أقل أيديولوجية، وأكثر واقعية، عن طريق إزالة القشرة من التنافس بين السنّة والشيعة.

ورجّح الكاتب أن تكون هذه المرحلة الجديدة للعلاقات التركية الإيرانية حاسمة للشرق الأوسط بأكمله والسبب في ذلك بسيط: ففي وقت يبحر فيه العرب في بحور من الدم نتيجة أعمال الفوضى التي تشهدها المنطقة، تبقى إيران وتركيا هما القوتان المحوريتان في المنطقة.

وذكر أنه لن يكون من الخطأ القول، إذن، إن مستوى الاستقرار والنظام في الشرق الأوسط سيعتمد على علاقتهما مع بعضها إذا كان بإمكانهما زراعة علاقة مبنية على الثقة المتبادلة والقدرة على استيعاب المصالح الحيوية ـ ويبدو أنهما يتحركان في هذا الاتجاه، فلربما سيكون بإمكان الشرق الأوسط العودة من أعماق الفوضى التي سقط فيها.

وأخيراً، قال الكاتب: على واشنطن أن ترحب بهذا التطور أيضاً نظراً إلى أهميته في الحفاظ على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، والقضاء على تهديد «داعش»، ودمج إيران اقتصادياً وسياسياً في المجتمع الدولي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى