احتلال تركي.. والـ «ماسك» كردي
نظام مارديني
بمباركة من قوات التحالف، بدأت وحدات من القوات التركية ومرتزقة ما يُسمّى بـ «الجيش الحر» اختراق الحدود السورية وصولاً إلى جرابلس واحتلالها بكل سهولة بعد انسحاب «داعش» منها، وذلك بالتزامن مع زيارتين مهمتين: الأولى لنائب الرئيس الأميركي جو بايدن، والثانية لرئيس «إقليم كردستان» مسعود البرزاني.
اختراق الأراضي السورية من قبل القوات التركية جاء تحت يافطة تحريرها من تنظيم «داعش» الذي لم يكن يتحرّك إلا بأوامر الاستخبارات التركية، ولكن «الماسك» الأساس هو حزب الـ «PYD»، الذي يضمّ الأكراد بوهم قيام كانتون فيدرالي في شمال شرق سورية، وبدفع من الأميركيين الذين دفعوا هذا الحزب إلى فتح مواجهة مع الجيش السوري والضغط عليه رداً على معركة حلب التي شارفت على نهايتها وتنظيفها من الجماعات الإرهابية.
وإذا كانت دلالات احتلال تركيا لجرابلس، جاءت بتغطية جوية من تحالف واشنطن لهذه المعركة، بهدف قطع الطريق على وحدات حماية الشعب من الوصول إلى جرابلس، فإن «منبج» ستكون هي الهدف الأكبر، كسراً لأي حلم بقيام كانتون فيدرالي في سورية يلامس حلم أكراد تركيا في ذلك. وقد يكون التصريح الذي أطلقه بايدن في أنقرة من أن الولايات المتحدة لن تقبل بكيان كردي على الحدود التركية، يؤكد أن الإدارة الأميركية ستقف على الحياد في المعركة المقبلة بين قوات الاحتلال التركي ووحدات الحماية الشعبية الكردية في تلك المناطق. وهو ما أكده رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم بعد لقائه بايدن بأن تستمر تركيا بمكافحة إرهاب «داعش» ووحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني. فهل سيستمر أكراد سورية في وضع «أحلامهم» في الحضن الأميركي؟
هذا الدوران الأميركي على الحساب «الكردي» يؤكد ما قلناه في مقالتنا السابقة «الجزيرة السورية.. والموّال الجارح!» التي نشرت في 23 آب ، قلنا إنه ومنذ عقود والأكراد خاسرون في لعبة الأمم. لا شيء تغيّر. فهم لا يدرون أين هي الخطوط الحمر وأين ستمضي لعبة المصالح الدولية والإقليمية بهم في المستقبل.. يقول الصديق غسان الشامي لن يُسمح باكتمال نسج اللحاف الكردي.. ستتناتشه الدول.. إن وضع ثلاثة أرباع البيض الكردي في سلّة واشنطن والربع الباقي في سلّة موسكو، لن يدفع إلى نضج قالب الكاتو الكردي، والخوف أن يتحوّل البيض الكردي إلى..عجّة!
إن فتح معركة الحسكة في وجه الجيش السوري وبطلب أميركي كان «الخطأ والخطيئة» بالنسبة لحزب الـ «PYD» فقد وقع بالفخ، في وهم توظيف فائض القوة بعد تحرير منبج، في المشروع الفيدرالي.. وها هو تحالف واشنطن يكسر حلمهم بتأييد العمليات التركية على حسابهم، والهدف هو لإحلال محلهم ما يسمّيه التحالف «معارضة معتدلة»، ظناً بأن العداء بين الدولة السورية والوحدات، بعد معارك الحسكة، سيفوق عداء دمشق لقوى يمكن أن يضمّنها تحالف واشنطن في تسوية مقبلة. غير أن دمشق تحرص على استمرار التقاطع مع «وحدات حماية الشعب» في مواجهة «داعش» وحلفاء تركيا. كما تحرص على استمرار القتال جنباً إلى جنب في معارك مشتركة ولا سيما في حلب، ولذلك كان بيان الجيش السوري واضحاً من جهة اتهام «الأسايش» فقط بفتح معركة الحسكة، فهل سيحرص حزب الاتحاد الديمقراطي على تعديل توجّهه والخروج من مأزقه بإعادة التنسيق بينه وبين الجيش السوري؟
أنقرة التي تطارد الأكراد في تركيا، كانت تستقبل البرزاني بالقبلات.. والأميركيون الذين كان أكراد سورية يراهنون عليهم، وبقصر نظر مروّع، على أنهم الظهير الاستراتيجي لهم في كل ما يحلمون به، يباركون العملية التركية..
حدّقوا ملياً في داعمي الاحتلال التركي لجرابلس وما بعدها.. وحدّقوا ملياً في مَن يديرون أكراد سورية؟