الأزمة السورية بين المتغيّرات التركية والرهانات المصرية
د. خيام محمد الزعبي
تتّجه أنظار دول العالم اليوم نحو مصر خاصة في ظلّ ما يتردّد دولياً وإقليمياً حول وجود مبادرة مصرية لاحتواء الأزمة السورية، حيث تدخل هذه الأزمة مرحلتها الأخيرة، وبات المشهد السوري في منعطفه الأخير، وسط حراك دبلوماسي إقليمي ودولي من أجل التوصل لحلّ الأزمة، إذ ظهرت مؤشّرات عدّة تكشف عن تبنّي مصر سياسة جديدة في التعامل مع الملف السوري، ومن هنا دخلت مصر بقوة على خط الأزمة في محاولة للتوصل إلى حلّ سياسي يُنهي صراعاً دام أكثر من خمس سنوات في سورية، لأنها المؤهلة للقيام بهذا الدور.
جاء هذا الحراك الدبلوماسي بشأن الأزمة السورية، نابعاً ليس فقط من أجل الحفاظ على سورية واستقرارها، وإنما من أجل مواجهة الآثار السلبية الناجمة عن عدم الاستقرار في سورية، والتي مهّدت لبيئة سياسية خصبة لظهور حركات التطرف الإسلامي وفي مقدمتها «داعش» والمجموعات المتطرفة الأخرى والتي باتت تؤرق أمن العالم أجمع.
في هذا الإطار، اعتاد الرئيس السيسي التأكيد على أهمية الحلّ السلمي للأزمة في سورية، حيث قدم رؤية تتمحور في خمسة محدّدات رئيسية لحلّ هذه الأزمة هي: احترام إرادة الشعب السوري، وإيجاد حلّ سلمي للأزمة، والحفاظ على وحدة الأرض السورية، ونزع أسلحة الميليشيات والجماعات المتطرفة، وإعادة إعمار سورية وتفعيل مؤسسات الدولة… ويرى مراقبون أنّ مصر بالتعاون مع أطراف عربية ودولية وفي مقدّمتهم روسيا تسعى إلى إنهاء الأزمة في إطار سلمي من أجل الحفاظ على الجيش السوري، كون بقاء الدولة السورية ومؤسساتها متماسكة، هو دعم للأمن القومي المصري والعربي.
على صعيد متصل، فإنّ موقف الرئيس السيسي من الأزمة السورية يُعتبر خطوة متقدّمة علنية في الموقف المصري، الذي غاب طويلاً عن الوضوح، فالمحدّدات الخمسة التي طرحها الرئيس السيسي واضحة وتعتبر مرتكزات يمكن البناء عليها، وفي حال باتت هذه المبادرة قيد التنفيذ سيشكل ذلك بداية جيدة لاستعادة مصر لدورها المستهدَف من بعض الأنظمة الداعمة للإرهاب، فالإرهابيون في سورية وداعموهم يشكلون خطراً على مصر نفسها، وهي الأخرى تعاني من ويلات هذا الإرهاب المموّل من الجهات نفسها التي تموّل الإرهاب في سورية.
في هذا السياق فإنّ مصر هي دوماً الأقرب إلى سورية، والأقدر على فهم ما يجري فيها، لذلك من الممكن أن تلعب مصر دوراً محورياً وبارزاً في حلّ الأزمة السورية باعتبارها غير متورّطة فيها عسكرياً، وتقف على مسافة واحدة من كافة أطراف الأزمة، وهذا الموقف يمكنها من طرح المبادرات والرؤى والتعامل مع كافة الأطراف بدون أيّ حساسيات، كما أنّ السياسة المصرية تحظى بثقة وتقدير كلّ الأطراف العربية والإقليمية والدولية، وهذا الدور من الممكن أن يفيد معظم دول الخليج التي تورّطت في الأزمة، والتي لم تُحرز أيّ نتائج على الأرض من خلال دعمها للجماعات المسلحة الموجودة في سورية، ومن هذه الزاوية تصبح مصر الطريق الوحيد إلى خروج هذه الدول من هذا المأزق والمستنقع السوري، لذلك فإنّ الدول الخليجية تحتاج إلى دولة عربية ذات علاقات وثيقة معها ومع النظام السوري ومن الممكن أن يكون الدور المصري طوق النجاة من أجل إنقاذ الدول الخليجية ومساعدة سورية في إنهاء الأزمة.
وتفيد الدوائر أنّ ما طرحه الرئيس السيسي يعود الى الأخطار التي تُحدق بمصر وخطورة الإرهاب على الساحة المصرية، وإدراكه بأنّ نجاح العصابات الإرهابية في سورية، يعني، توجّه الإرهاب نحو الساحة المصرية، وانطلاقاً من ذلك، فإنّ القاهرة لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي وهي في عمق الشرق الأوسط، ما يحدث في سورية ستكون تداعياته خطرة على الأمن المصري والعربي.
وفي الاتجاه الآخر دعا رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم الدول الكبرى إلى فتح ما سمّاها صفحة جديدة بشأن سورية دون إضاعة الوقت، وقال يلدريم: «من المهمّ للغاية عدم إضاعة الوقت وفتح صفحة جديدة بشأن سورية تقوم على مقاربة تشارك فيها بشكل خاص تركيا وإيران وروسيا وأميركا وبعض دول الخليج والسعودية، مؤكداً أنّ موقف تركيا واضح جداً، وهو عدم السماح بتقسيم سورية، والحفاظ على وحدة أراضيها وعدم السماح بتشكيل أيّ كيان يمكن أن يعود بفوائد على أيّ جماعة، كما شدّد على ضرورة عمل جميع الأطراف لوقف سفك الدماء في سورية، وتظهر هذه التصريحات استعداد أنقرة للعمل مع القوى الدولية التي تختلف مواقفها بشكل كبير بشأن سورية.
وفي هذا السياق حُكي عن اتصالات تجري خلف الكواليس بين قيادات تركية من جهة وأطراف الأزمة في سورية من جهة أخرى، بمعنى أنّ تركيا تعمل مع الأطراف كافة سواء من داخل سورية أو الأطراف الدولية والإقليمية، على إيجاد وسيلة للوصول إلى إطار سياسي مشترك ولغة سياسية مشتركة لحلّ الأزمة ومواجهة الإرهاب هناك.
مجملاً… لقد آن الأوان أن تستعيد سورية مكانتها المميّزة ودورها البارز على المستويين الإقليمي والدولي، وتؤكد أنها لن تسمح لأيّ طرف بالتدخل في شؤونها الداخلية، ويجب عدم الشعور بخيبة الأمل من مستقبل سورية لكون حلفائها وشركائها على المستويين الإقليمي والدولي لن يتركوها وحدها، خاصة مصر التي تربطها معها علاقات متميّزة على كافة الأصعدة وفي مختلف القضايا، فضلاً أنّ هناك اتفاقاً كاملاً بينهما في معظم القضايا المشتركة لمواجهة الإرهاب وأدواته، لذلك فإنّ دمشق والقاهرة تنطلقان من رؤية واحدة وهي ضرورة مواجهة أيّ أطماع إقليمية أو دولية، وخاصة بعد نجاح كلّ منهما في ضرب المخطط الغربي لتقسيمهما، كما أنّ مصر تعرف أنّ أمنها الوطني يبدأ من سورية، وأنّ الشعب المصري يدرك أنّ تدمير الدولة السورية واستنزاف الجيش السوري، يهدّد أمنهم الوطني استراتيجياً، ويضعفهم إزاء «إسرائيل» والغرب، وينقل معركة الاستنزاف والتفكيك والفتنة إلى داخل مصر نفسها.
باختصار شديد، هناك رؤية استراتيجية موجودة في كلّ الأوساط المصرية وعلى أعلى المستويات، مفادها أنّ مصر المؤثرة في الإقليم، هي مصر التي يمكن ان تسهم في عودة الاستقرار مرة أخرى الى منطقة الشرق الأوسط المضطربة، كما انّ هناك رؤية استراتيجية ثابتة وهي دعم سورية في كلّ الأوقات، وانطلاقاً من ذلك فإنّ التطورات والمشهد المعروض يشير إلى أنّ الأيام المقبلة ستشهد تبدّلاً كبيراً على الساحة السورية، خاصة أنّ الطرح المصري لحلّ الأزمة السورية يدعمه التوافق الإيراني الروسي والدول الصديقة لدمشق.
Khaym1979 yahoo.com