معنى وأهداف التدَّخل التركي المباشر في سورية بغطاء أميركي؟
محمد شريف الجيوسي
يمعن النظام التركي، بقيادة أردوغان، في تغليب ثلاثة خيارات، أولها الخيار العقيدي «الإخواني» بطبعته التركية – الأردوغانية، وما يستتبع، ثانياً، من إساءة علاقاته مع دول الجوار، ثم، ثالثاً، خيار التطابق مع المصالح الأميركية عندما لا يتباين ذلك مع الخيارين الآنفي الذكر، رغم تناقض هذه الخيارات مع المصالح الوطنية والقومية التركية الحالية في كلّ مدياتها.
وقبل أن يبدأ أردوغان في تنفيذ حملته باتجاه جرابلس، بذريعة محاربة إرهاب «داعش»، تمكن، فيما يبدو، من خداع موسكو وطهران بأنه سينتظم في جهد مشترك معهما في محاربة الإرهاب. لكن مفهوم أردوغان للعصابات الإرهابية مختلف عن مفهوم إيران وروسيا، ويتطابق مع المفهوم الأميركي، فكان الغزو التركي للشمال السوري، بغطاء جوي وسياسي من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، رغم التنافر الأميركي – التركي في ما يتعلق بما اصطلح عليه الإنقلاب العسكري وما استتبعه.
من الواضح أنّ أردوغان ليس جاداً في كلّ ما يظهر أنه مقبل عليه حول محاربة الإرهاب، رغم الضرورات الأمنية والإقتصادية التي تفرض خياراتها عليه، وهو في كلّ خطواته البهلوانية، لكن المدروسة على طريقته، إنما يتخذها على خلاف قناعاته، لإسكات تلك الجهات التي يتقافز إليها شخصياً أو بمبعوثيه، حتى يتمكن من ضبط أوضاعه الداخلية إن استطاع وتجنب تفاقم الحالة الأمنية والإقتصادية، أكثر مما هي عليه من تفاقم، ولأجل عدم فضح الإعلام لخطل سياساته وأبعاد ومخاطر تلك السياسات.
إنّ اردوغان كشخص وحزب ودولة، محكوم بالخطوط العريضة لمكتب الإرشاد العالمي، وإنْ حاول أحياناً، التملّص من تفاصيل معينة محدودة، لا تختلف والجوهر العام للتنظيم العالمي «الإخواني». وهو محكوم، في جانبه الآخر، بحلف «الناتو» وقد ترأست تركيا قوات «الناتو» في أفغانستان لفترة ستة أشهر، عندما جاء دورها الذي لم يكن أقلّ سوءاً من بقية أعضاء الحلف هناك… وليس في نية أردوغان التخلص من هذا الميراث. وطالما هو كذلك، لا مانع لدى «الناتو» من أن يصنع أردوغان وحزبه ونظام حكمه ما يشاء في الداخل وفي الجيش ، وإنْ بدت تباينات محدودة هنا أو هناك.
ولا بدّ أنّ حلف «الناتو» وواشنطن والعواصم الغربية الإستعمارية، معنية بأن لا يستكمل نظام حكم أردوغان استدارته الظاهرة نحو موسكو وطهران، على افتراض أنّ هذه الإستدارة، فعلاً، لا تجري بتنسيق وتوزيع أدوار… فالمرجح أنّ «خليفة العثمانيين» الذين فرّطوا في عقودهم الأخيرة بأشياء كثيرة، ليس على تلك الشجاعة والحنكة ليقوم باستدارة ذكية كهذه، ولا هو على ذلك القدر من الوطنية التركية، ليستيقظ فيه ضميره ويدرك أنّ مصالح تركيا الوطنية تقتضي، بالضرورة، تغيير نهجه المدمّر لبلاده عما قريب، كما تدلل الأحداث اليومية هناك.
دخول تركيا المباشر في الحرب على سورية، بذريعة الحرب على الإرهاب، يشبه، إلى حدّ بعيد، دخول السعودية المباشر إلى اليمن للحرب على الحوثيين والنتيجة أنّ الحرب على اليمن، كما نرى، باتت تنتقل بالتدريج إلى داخل السعودية، وباتت أطراف يفترض أنها صديقة للسعودية، تحمّلها مسؤولية قتل المدنيين واستخدام أسلحة محظور استخدامها. واليوم يطالب الرئيس اليمني السابق، علي عبد صالح، أحد طرفي المعادلة اليمنية المناهضة للحرب السعودية على بلاده، روسيا بالمشاركة في الحرب على الإرهاب في اليمن، وهو ما حدث تماماً عندما دفع تدخل التحالف الأميركي في سورية، روسيا للتدخل في صالح دمشق.
بهذا المعنى، فإنّ تدخل تركيا الأطلسية في سورية، بغطاء جوي أميركي، سيوسع قاعدة الحرب وساحاتها … ، وسيدخل أطرافاً جديدة فيها، وقد ينهي «داعش» التقليدية ، لكنه سيولّد «دواعش» جديدة أشدّ تطرفاً، وسيُدخل، هذا التحوّل، في روع «الدواعش» الجدد، أنّ انقلاب الأطراف الداعمة لها، ممكن عند منعطف ما، فتأخذ حيطتها. وسيسقط التدخل التركي فرص التوصل إلى حلول سياسية، ويجعل نتائج الحرب على الأرض هي الفيصل. وستسقط احتمالات الحوار بين المعارضة الوطنية في الخارج والدولة الوطنية السورية، لأنّ العابرين إلى الصراع الجديد الآن، لم يعودوا مضيّعين أو مضللين، أو على قدر ولو محدود من الوطنية والمواطنة، ويكونوا بذلك قد حكموا على أنفسهم بالخيانة، إلاّ من يقرّر العودة ومغادرة ساحات التآمر التركية الأميركية، أو أيّ ساحة معادية أخرى.
ونخال أنّ روسيا وإيران، باتتا أكثر دقة في فهم المناورات وألعاب التسويف وكسب الوقت والكذب التركية الأميركية «النيتوية»، غلى أمل قلب المعادلات على الأرض السورية. وعليهما، أي إيران وروسيا، وأطراف أخرى قد تستجدّ .. البناء مجدداً على فهمٍ دقيق جديد.
من دون ذلك، سيعتبر المواطن العربي وغيره في المنطقة، أنّ هناك لعبة ما باتت تصاغ فيها، ليست في صالح الدولة الوطنية السورية. وقد بدأت الشكوك والهواجس ترتسم على وجوه الناس العاديين تؤرق الأذهان. لكننا نستبعد أن يكون ذلك ممكناً، فالقادة الروس والإيرانيون وغيرهم .. على قدر عال من التصميم والفهم للطبيعة الإستراتيجية للحرب العدوانية الإرهابية الجارية ضدّ سورية والعراق واليمن ومصر وليبيا وغيرها، ونتائجها وتداعياتها على هذه البلدان وعلى مجمل بلدان المنطقة والعالم.