حنظلة.. أيقونة فلسطين
نظام مارديني
تزامنت أمس، الذكرى الـ 29 لاستشهاد الناقد الفلسطيني اللاذع ناجي العلي، وأربعون ألف رسم كاريكاتوري لـ «حنظلة» لا تزال تبحث عن فلسطين!.. ولكن هل هذه عبارة سريالية الى هذا الحد؟
فلسطينيو الشتات، بل شتات الشتات، الذين كان حنظلة بطلهم الوحيد، ظلوا يخشون أن ينافسه بطل آخر.. ويا للبؤس حين يكون النجم هو «قريع» أو «عريقات»!؟
كان حنظلة رغيف خبز «الغلابى»، أو حتى الهواء الذي لا يعرف أحد كيف يمكن أن يصل الى رئتهم.. كان من ينفخ الريح لكي يتنفس أهله من النهر وإلى البحر.
يتساءل الذين لم يبقَ لهم سند، إذا استيقظ حنظلة من نومه الآخر، وحاول أن يرسم محمود عباس وهو يصافح نتنياهو أو ذاهب الى نيويورك لمطالبة مجلس الامن بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.. «دولة على قياس الحقيبة او القبعة، الديبلوماسية».. علينا ان نتصور ما هي حاله من خلال احوالنا، وقد تمزق الفلسطينيون إرباً إرباً..
يُحكى ان حنظلة اعتذر من ناجي وقرر أن يعمل نادلاً في أحد مقاهي كوبنهاغن. أخبرنا صديق فلسطيني يملك مقهى في العاصمة الدنماركية انه غطى أحد جدران المقهى برسوم حنظلة الذي لا داعي كي يدير وجهه لنا. من منا حفظ ماء وجهه و… وجهه؟
فلسطينيو الشتات يسألونك اليوم، وبعد تسعة وعشرين عاماً على استشهادك.. لماذا الدهر كئيب وقانط الى هذا الحد يا حنظلة؟ هل لأن فلسطينيي الدهر.. يبدون وكأنهم يسكنون الدهر. ألم يقل لهم محمود درويش «خذوا الهواء صديقاً و… معطفاً»!
أحدهم نصح بأن يبعثوا بحنظلة الى نيويورك.. حتماً سيتبرأ منه كل المندوبين العرب. بعضهم قد يشبّهه بـ «إي. تي» في فيلم ستيفن سبيلبرغ الشهير».. ألا يشعر هذا العربي، والدنيا تلعب به، انه مخلوق قميء في هذه الدنيا؟
مَن لا يصدق بين فلسطينيي الشتات ان دولة فلسطين ستقوم؟ ستقوم سريعاً إذا استطاع هذا الرحم الذي اسمه، الهلال السوري الخصيب، ان يوقظ كل هؤلاء الموتى لكي يطلبوا اعتذار «المرستون، روتشيلد، ويلسون، لويد جورج، بلفور، ترومان، ستالين».. اعتذار عما فعلت ايديهم بفلسطين ومحيط فلسطين الطبيعي!
غداة مجازر «صبرا» و«شاتيلا» سأل المسرحي الفرنسي الشهير جان جينيه الذي زار المخيمين: «لماذا العرب عراة الى هذا الحد؟».. هذا بعدما وصف أرييل شارون بـ «الابن المدلل للعار»! ليته كان حاضراً لكي يرى ألاعيب برنار هنري ليفي الذي وصف بوقاحة اولاد الحجارة بانهم اولاد العصر الحجري لانهم يريدون تقويض «إسرائيل» التي هي احد تجليات الازل في الشرق الاوسط؟
هكذا تضحك التراجيديا في مخيمات الشتات.. يشكرون روجيه غارودي لأنه اعتبر أن التراجيديا الفلسطينية «اكثر عمقاً» حتى في بعدها الميتولوجي، من التراجيديا الاغريقية، تصوروا!
حنظلة لا يزال يدير ظهره لنا ويقول نحن واياكم يا سوريي الهلال الخصيب في الشتات! وكأنه يقول: الكثيرون يتحدثون عن نهاية وشيكة للاهوت الألم.. ها ان القيامة على الابواب، كما يشيع أساقفة الغيب، وبالفظاعات الايديولوجية اياها. إذاً، دعوا الحجارة، والبنادق، والسكاكين والايدي، والذبح الحلال جانباً وادخلوا الى «خيمة الانتظار».
كلنا دمى القرن.. نحن تحت خيمة الانتظار الذي يتقيأ الدم مثلما يتقيأ القيح الايديولوجية الدينية.. ولكن تبقى الشجرة الواقعة بين مدينتي طبريا والناصرة لا تزال تنتظر «حنظلة»!