هل تستطيع تركيا وروسيا معاً إحداث فرق في سورية؟

نشر موقع «ميدل إيست بريفينغ» تقريراً جاء فيه:

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 9 آب، في سان بطرسبورغ، أنهم سيعملان سوياً من أجل إنهاء النزاع السوري، وأضاف أنه يجب على روسيا وتركيا اتخاذ خطوات مشتركة لحل الوضع المتأزم في سورية.

تبعت تلك التصريحات بعض التغيرات الواضحة في سياسات أنقره تجاه سورية مؤخراً إذ نقلت وكالة أنباء «ريا» عن سفير تركيا لدى روسيا أوميت يارديم تصريحه، في مؤتمر صحافي في 11 آب، أن الحكومة التركية تعتقد «أن القيادة السورية الحالية بإمكانها المشاركة في المحادثات الرامية إلى حل النزاع الدائر بسورية»، مضيفاً: «نحن نريد من القيادة الحالية لسورية أن تشارك في المفاوضات».

إلا أن وزير الخارجية التركي تشافوش أوغلو قد صرح في مقابلة تلفزيونية أن الانتقال السياسي في سورية مستحيل في ظل وجود الرئيس بشار الأسد على رأس السلطة.

لعل أحد المفارقات المثيرة للدهشة أن موسكو، لا واشنطن، وراء اقتناع القيادة التركية المفترض أنها حليفاً للولايات المتحدة مؤخراً بتبني وجهة النظر الروسية الأميركية في شأن الحل السياسي للموقف السوري، لكن في الحقيقة لم يكن بوتين يروج في محادثاته مع الرئيس التركي لموقف سياسي مشترك بين الدبلوماسية الأميركية والروسية معاً، بل ببساطة كان يروج للأجندة السياسية الخاصة بموسكو في سورية، وبالأسلوب نفسه الذي اتبعه مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري في إقناعه بالتخلي عن سياسات الولايات المتحدة السابقة وربط الموقف الأميركي بنظيره الروسي.

أصبح جلياً أن روسيا كانت تروّج لرؤيتها الخاصة، فعندما نستمع لتصريحات فرانتس كلينتسفيتش نائب رئيس لجنة الدفاع في مجلس الاتحاد الروسي عن قاعدة «حميميم» أنها سوف تصبح قاعدة عسكرية روسية بعد الانتهاء من بعض التسويات القانونية، وسيتم بناء بنية تحتية مناسبة ليتمكن الجنود والعاملين في الجيش الروسي من المعيشة في ظروف مناسبة، وأن المهمات الاستطلاعية والدعم الحربي الذي سيقدمه سلاح الجو الروسي سيمكن الجيش السوري من إنهاء مهماته بنجاح، وأن روسيا على وعي تام بأهمية اتخاذ التدابير اللازمة، وإلا ستواجه تهديدات إرهابية ضخمة هناك. يعدّ ذلك مؤشراً على سعي روسيا إلى إقامة وجود عسكري دائم آخر في سورية بجانب قاعدتها البحرية في طرطوس.

علاوة على ذلك طالب بوتين البرلمان بالتصديق على اتفاق لإقامة قاعدة عسكرية أخرى تم التوقيع عليها مع دمشق السنة الماضية، في خطوة استباقية لزيارة أردوغان للكريملين.

وبينما بدأت روسيا في استخدام قاعدة عسكرية في إيران لشنّ هجماتها على سورية، صرّح تشافوش أوغلو وزير الخارجية التركي في 11 آب، أن الطائرات الحربية التركية ستشارك في عمليات مكثّفة ضدّ تنظيم «داعش»، يأتي ذلك عقب استئناف العلاقات المتبادلة بين تركيا وروسيا، والتي توترت من جرّاء إسقاط الطائرة الروسية. وأضاف تشافوش أوغلو أنه في حال لم يتمكنوا من القضاء على المنظمات الإرهابية في البداية، فسوف تهاجمهم كالوباء، لذا سوف تشارك القوات الجوية التركية مجدداً وبقوة في العمليات ضدّ تنظيم «داعش» في هذه المرحلة.

من الواضح الآن أن «القضاء على تنظيم داعش أولاً» أصبح توجهاً عاماً في السياسة الدولية، فإضافة إلى ضرورة وجود تحالف إقليمي لمحاربة تنظيم «داعش»، كان ذلك موقف موسكو من البداية، ويبدو أن خطة بوتين كانت قائمة على إقناع الولايات المتحدة بسياستها في سورية، من أجل تمرير استراتيجيتها بـ«القضاء على داعش أولاً»، وبالطبع ساعدته الظروف لاحقاً بانضمام الأتراك له في تأييد هذه الاستراتيجية. وبرفعه هذا الشعار، لم يعزّز بوتين مصالح روسيا في محاربة الإسلاميين فحسب، لكنه وسع نطاق تواجده العسكري المباشر في الشرق الأوسط. لم يكن غرضه محاربة تنظيم «داعش» فحسب، بل تهيئة نقطة انطلاق لتحقيق الأهداف الاستراتيجية بعيدة المدى، ثمّ تصبح روسيا لاعباً أساسياً في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب.

لكن كيف سيؤثر ذلك على الأوضاع في سورية؟

يذكر التقرير أن وصف محاربة تنظيم «داعش» بأنه «أولوية» يؤدي إلى افتراض ضمني أن هناك شيئاً ما سيأتي في المرتبة الثانية. عندما ندرس عن كثب تطور مواقف الولايات المتحدة وروسيا، فسوف نصل إلى فروق جوهرية بين الطرفين مختلفة تماماً عن البدايات، لكن يرى بعض المراقبين، أنه على رغم أن هذه الاختلافات قد تبدو طفيفة في الوقت الراهن إذ ما نزال في المرحلة الأولى، ليس من المستبعد أن تخرج هذه الاختلافات البسيطة عن حدود التوقع، وتؤدي إلى انفجار الأوضاع، ونسف كل المساعي سواء التسويات بين القوى الفاعلة، أو التحولات التي تحدث على أرض الواقع. كما أنه من الضروري الأخذ في الاعتبار احتمال أن روسيا ليست لديها أيّ أولويات أخرى.

يضيف التقرير أن الأزمة ليست متمثلة بـ«داعش» وحده، بل تعد «جبهة النصرة» أحد أهم العناصر التي ستظهر مدى صلابة العلاقات بين الأطراف الفاعلة، سواء كانت إقليمية أو دولية. فبمجرد التوصل لاتفاق مع روسيا يمكَّن من قصف داعش و«جبهة النصرة»، ستتمكن الولايات المتحدة من قصف الغالبية العظمى من «الثوار في سورية»، مع العلم أن بعض هؤلاء «الثوار» تدعمهم أنقرة، وآخرون قامت الولايات المتحدة نفسها بتدريبهم. إذ لا يزال هناك بعض «الثوار» من غير الإسلاميين مثل «الجيش الحرّ» يحاربون الأسد، لكن معظم عناصر «الجيش الحر» أجبروا على الانضمام إلى «جبهة النصرة» في تحالف غير متجانس يسمّى «جيش الإسلام».

الجدير ذكره أن «جبهة النصرة» أنشأت تحالف «جيش الإسلام» لتحيط نفسها بمجموعة من الجماعات غير الإسلامية كي تتجنب القصف الأميركي لها.

من الناحية النظرية، سيتحتم على تركيا التخلي عن حلفائها الإسلاميين في شمال سورية، لكن يصعب تحقق ذلك على أرض الواقع. علاوة على ذلك، تخبر تركيا «المعارضة السورية» أن عودة العلاقات مع موسكو وطهران، ما هي إلا نتيجة لخيبة الأمل في حلفائها الغربيين، وأن عودة العلاقات سوف يمكن أنقرة من لعب دور وساطة فعال.

أما من الناحية العملية، فقد تختزل كافة المساعي السياسية وفقاً لاعتبارين:

الأول: ليس لتركيا أيّ مصلحة في استمرار الحرب في سورية إذ لم تنل أنقرة منه، سوى المشكلات طوال السنوات الخمس الماضية.

الثاني: عودة تركيا للعب دورها التقليدي كجسر يربط بين مختلف الأجندات الجيوستراتيجية، باعتبارها المستفيد الأكبر من هذا الدور.

لكن التقرير يذكر أن القضية هنا ليست التنبؤ بكيفية تغيير أردوغان الاتجاهات، ولكن القضية الحقيقية هي: إلى أي مدى ستؤثر هذه الاتجاهات على الوضع الإقليمي، وبالأخص في سورية إذ سيكون من الضروري لأنقرة أن تثبت لحلفائها، الجدد والقدامى، أنها قادرة بالفعل على إحداث فرق.

لن يتخلى أردوغان بسهولة عن صورته كقائد لدى قطاع كبير من الإسلاميين فلا طبيعته، ولا مصلحته تقتضيان ذلك، إلا أنه سوف يقوِّم ويعدل موقفه وفق خطوات بطيئة وتدريجية كي يصبح «جسراً للتواصل» مع الإسلاميين، بدلاً من أن يصبح عدواً لهم.

لا يزال موقف الأسد غير واضح، فإلى أيّ مدى يثق بوتين بأن الأسد سيترك منصبه لمجرّد تحقق أهداف خطة «القضاء على تنظيم داعش أولاً»، والذي تطور في وقت لاحق إلى القضاء على تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» أولاً؟ وهل يمكن اعتبار الأسد أولوية تالية؟ وما مدى قبول كل من أنقرة وواشنطن ذلك؟ وما هي فرص إحلال السلام بسورية، بعد الانتهاء من المرحلتين؟

أولاً: لا يوجد ما يؤكد أنّ بوتين يريد إزاحة الأسد، بغضّ النظر عما يصرّح به خلال المرحلة الأولى.

ثانياً: قد يكون بوتين على قدر من الدهاء الذي يجعله ينتظر ليرى أين سيميل ميزان القوة على الأرض خلال تطور القتال ضدّ تنظيمَي «داعش» و«جبهة النصرة».

ثالثاً: يدرك بوتين، كما يدرك الجميع، أنه يحقق مكاسب وأرباح جوهرية من استثماراته المحدودة في الصراع.

ولا يسع القارئ للوضع السوري، إلا أن يلاحظ أن واشنطن غيرت موقفها، وكذلك فعلت تركيا، ويفكر العرب في التغيير، ولا أحد يتحدث بجدّية عن التخلص من الأسد سوى «معارضيه».

يذكر التقرير أن النقطة المركزية لتحقيق سلام في سورية، بعد استبعاد تنظيمَي «داعش» و«جبهة النصرة»، وفي ظلّ وجود الأسد وحزب الله وإيران، هي إدراك كافة الأطراف استحالة تحقيق أهداف المرحلة الأولى كاملة، ما لم تعلن جميع الأطراف المعنية بوضوح عن نواياها في شأن المرحلة التالية.

يختلف بعض الخبراء مع ما سبق إذ يقولون إنه لو تم التصريح علناً بأن الأسد سيترك منصبه لاحقاً، قد ينهار النظام في دمشق في اليوم التالي، في حين يعتقد كثيرون من السوريين أن هذا الافتراض مبالغ فيه.

يعتقد كثيرون في الشرق الأوسط أن أردوغان توصل إلى تعهد من بوتين خلال زيارته الأخيرة إلى سان بطرسبورغ أن روسيا لن تدعم أي وجود كردي مستقل على الحدود التركية ـ السورية، ويُعتقد أيضاً أن تركيا لن تشارك بشكل كبير في الحملة الروسية التركية على تنظيم «داعش» في الأراضي السورية، أو على الأقل في الوقت الراهن.

الفرق الحقيقي الذي يمكن أن تحققه تركيا في شأن الأزمة السورية والمنطقة بشكلٍ عامٍ أن تكون جسراً بين كافة الأطراف فإذا استطاعت أنقرة أن تأخذ الخطوات الصحيحة خلال الأشهر القليلة المقبلة، سيشكل ذلك خريطة سياساتها المستقبلية، ويمكّنها بالفعل من لعب دور بناء.

أما الافتراض بأن أردوغان سوف يصعّد من حدة التوترات مع الغرب هو افتراض مبالغ فيه لأسباب عدّة:

أولاً: أنه لا يتناسب مع دور الجسر الذي تدعيه تركيا الآن.

ثانياً: هناك علاقات متجذرة بين الطرفين ستكبح جماح أيّ سياسات متهوّرة من كلا الجانبين.

ثالثاً: التوترات مع الغرب لا تخدم الموقف التفاوضي التركي مع روسيا وإيران.

من المفارقة أن احتمالات رسم خارطة طريق عملية وأكثر وضوحاً أصبحت ممكنة أكثر من ذي قبل، ولا يعني ذلك بالضرورة سهولة العقبات، بل إن تحرك الأطراف الفاعلة على الساحة السورية يتجه لأداء دور بناء سواء على الأرض أو من خلال القنوات السياسية.

ولتحقيق توازن بين المبالغة في التفاؤل أو التشاؤم، جدير بالذكر ما صرح به رئيس الوزراء التركي أن بلاده وروسيا قد اتفقتا على كيفية حل الأزمة السورية، ولكن لا نريد أن نبالغ في التوقعات، وبعبارة أكثر دقة يمكن أن نقول أن تهيئة الظروف وإجراء تفاهمات لنزع فتيل التوتر على مدار عقد أو عقدين من الزمان، كفيل بحل الأزمة السورية، بما في ذلك القضاء على الراديكاليين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى