تركيا تحصد نتائج زرع مَن خانوا وطنهم
جمال محسن العفلق
في تطور واضح للأزمة التركية الداخلية، بعد عملية الانقلاب، نجد أنّ أنقره بدأت تصدير أزمتها إلى الخارج. والخارج اليوم، هو سورية والعراق. والحكومة التركية التي تعاني من أزمة سياسية داخلية وخارجية، على حدّ سواء، وبعد فشل الجماعات الإرهابية في خلق منطقة عازلة تخدم المصالح التركية في الشمال السوري، وهو لن يتحقق على المدى القريب، بعد سيطرة الجيش السوري على خطوط الإمداد وإدخال الجماعات الإرهابية في حرب استنزاف قد تطول.
هل تركيا قادرة على هذه الحرب وحدها؟
يعلم الجميع حقيقة الدور التركي في الحرب على الشعب السوري، وهذا الدور الذي بدأ بإنشاء معسكرات، أو مخيمات لجوء، إنتهى اليوم بالمشاركة الفعلية للقوات التركية بالحرب على الشعب السوري. وخلال السنوات الماضية كانت الطبقة الحاكمة في تركيا، تقدّم كلّ أنواع الدعم والتسهيل للجماعات الإرهابية، و»داعش» واحدة منها وليست الوحيدة. وكلّ من عمل مع الاستخبارات التركية وتحت إمرتها، هو إرهابي، بدءاً مما سمّي «مجلس اسطنبول» مروراً بائتلاف الدوحة «الخائن»، وصولاً إلى الجماعات الإرهابية التي تستمدّ سبب وجودها، الحقيقي، من الشريان التركي، إما بشكل مباشر أو عبره.
ولهذا، نجد القوات التركية تدخل الأراضي السورية، وتعتدي على السيادة السورية، تحت سمع وبصر العالم بأسره، بحجة حماية أمنها القومي. كما أنّ القوات التركية تدخل إلى سورية من دون أن تحسب حساباً للدول العربية، التي لا نتوقع منها الكثير، ولا أيّ ردّ فعل إعلامي، بالحدّ الأدنى. وهذا ليس بالجديد علينا، فقد سارع أمين الجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، لإدانة إتفاق داريا، لكنه لم يجد الوقت لإدانة التدخل التركي في الأراضي السورية. وإنْ أعلن موقفه، أو موقف الجامعة العربية، فسيكون هذا مجرد فقاعة لحفظ ماء الوجه فقط.
لقد جاء الدخول التركي إلى الأراضي السورية، بتنسيق دولي وبعلم الإدارة الأميركية، التي أرادت ضرب الكتلة الكردية الرافضة للإنفصال عن الوطن السوري وبتنسيق مع إقليم كردستان العراق، الذي تسيطر على إدارته «إسرائيل»، ولفتح الطريق أمام ما يسمّى «الجيش الحر» وهو تشكيل قديم – حديث في الحرب على سورية، حيث يُستحضر هذا الاسم كلما دعت الحاجة إلية، لحمايته من عمليات محاربة الإرهاب.
وهنا يكون السؤال عن دور الحكومة السورية والجيش السوري في هذه المستجدات، سؤالاً مشروعاً؟ فموقف الحكومة السورية واضح لجهة رفض الدخول التركي. وقد اعتبر هذا الدخول، إعتداء على سيادة الأراضي السورية. وتعلم الحكومة السورية أنها تدافع عن الذين قرّروا الانفصال وهاجموا المؤسسات الحكومية وأحرقوها وشكلوا حواجز مهمّتها طرد السوريين، من غير الأكراد، خارج الأماكن التي يسيطرون عليها. لكن على الحكومة السورية والجيش أن ينتظروا قليلاً، قبل أن يتدخلوا بين المقاتلين الأكراد، الذين نذروا أنفسهم ورهنوا مستقبلهم ومستقبل قضيتهم لأميركا، وأميركا باعتهم للأتراك، وتركيا تدّعي أنها تريد إبعاد الخطر عن حدودها فقط.
لكن هذا الدخول التركي لن يكون نزهة في الأراضي السورية، فعلى تركيا دفع الثمن، وسوف تدفعه عاجلاً أم أجلاً. وعلى الأتراك أن يجهّزوا أنفسهم لعودة أكثر جنودهم محمّلين، فبالرغم من تصريحات بعض الأكراد المستفزة للشعب السوري، لن يقبل السوريون التخلي عنهم.
حتى اليوم، يمكننا اعتبار أن تركيا حصدت أفضل النتائج، بعد الكيان الصهيوني طبعاً، من بين الذين شاركوا بالعدوان على الشعب السوري. فالعرب الذين دفعوا ملياراتهم، خسروا في دمشق ومحيطها. وحلب على طريق التسليم، أو الإستسلام للجيش السوري. أما الجنوب، فهو نار تحت الرماد، ستتكفل الخلافات بين العصابات الإرهابية، بالإضافة للطوق الأمني الذي يشكله الجيش السوري، إلى الدخول بمصالحات وتسليم للسلاح، ونقل المرتزقة إلى الشمال، أو عودتهم إلى الدول التي أتوا منها، كما حدث في داريا، التي أنهت الإتفاق، والمعضمية، التي ننتظرها ليكتمل فكّ الطوق عن المدنيّين في دمشق، وإنهاء حالة القصف العشوائي الذي كان يسبق كلّ مفاوضات.
بعد كلّ هذا، هل حصدت تركيا زرع مَن خانوا وطنهم؟
لم يكن لهذا كله أن يحدث لولا الخونة الذين رضخوا لأحلام أردوغان، بإحياء مجد العثمانيين وتاريخهم الدموي في المنطقة. فالخونة قدّموا لأردوغان أكثر بكثير من أحلامه وطموحاته، لكن بتكاليف أقلّ بكثير من المتوقع. والذين خانوا الوطن، أغرتهم مخيمات اللجوء وبعض الطعام المجاني، وقليل من الدولارات. وآخرون كان نصيبهم أفضل بالعيش في فنادق الخمس نجوم، المحمية بأجهزة الأمن التركية. فماذا سيقول «إئتلاف الدوحة الخائن» ومقرّه في اسطنبول، عن هذا الاعتداء التركي؟ وماذا سيقول رواد المقاهي الباريسية والمتباكين على الشعب السوري إعلامياً، عن هذا الإحتلال للأراضي السورية؟ لن نرفع سقف توقعاتنا كثيراً، فمن الخطأ أن نطلب من خائن لوطنه، رأيه بقضية وطنية. رغم علمنا السابق بأنّ الذين سيتحدّثون عن هذا الاعتداء التركي، إنْ تحدثوا، سيجدون له المبرّرات الكافية.
قد يقول أحدهم إنّ مشروع تفتيت المنطقة وتقسيمها نجح، ربما هذا هو الشكل، لكنني على يقين، أنّ تسارع الأحداث العسكرية والسياسية في المنطقة، سوف ينتج حالة فرز نهائي بين المنتمين للوطن والمقاومة، وبين الذين يبحثون عن مظلة أجنبية تكون سببا لوجودهم. وهذا ليس بالأمر السيّئ، فلا بدّ من هذا الفرز، وان كنّا نتألم بأن قاتلنا هو الذي كنّا نتوقع ان يكون حاميأً لظهرنا.