تقارير عن ضرب «داعش» في ليبيا لإجبارها على الانتقال إلى المحافظات المصرية
محمد أحمد الروسان
إنّ تطورات الميدان العسكري السوري، أرخت بثقلها على عواصم حلف الحرب على سورية. وفي سورية وحولها، نرى واشنطن تنشط ضمن منظومة التسوية السياسية، لحجز مقعد سياسي لحلفائها من البعض العربي، وغيره. كما تنشط ضمن منظومة الحرب على الإرهاب، لتدعو حلفاءها إلى حجز حصّة من الجغرافيا السورية، عبر البحث عن فرص في الجنوب السوري نواة الدولة الوطنية الأردنية تدرك أنّ ذلك فخّاً أميركيّاً لها، حيث المثال التركي ما زال حاضراً، من فخ إسقاط «السوخوي» الروسية، إلى فخ محاولة الإنقلاب الفاشلة، ودفع أردوغان لمزيد من التورّط في الداخل التركي. والرفض الأردني هنا قطعي. وأيّ تنازلات في هذه المسألة الإستراتيجية بمثابة انتحار سياسي وعسكري، وليونة شديدة متفاقمة ستوثّر على سلامة الجغرافيا والديمغرافيا الأردنية . فنصحتهم واشنطن بعدم إضاعة الوقت والمسارعة إلى حشد برّي يشارك في الحرب على عصابة «داعش» الضوء الأخضر الأميركي حاضر هنا ، ليسبق الجيش العربي السوري وحلفاءه إلى الرقّة. ويمسك بجزء من الجغرافيا المشغولة من قبل الإرهابيين، يجري تسليمها للقوى التابعة لتركيا والسعودية، وجعل وحدة التراب السوري الجغرافي، رهينة التوافق مع هذه الجماعات الإرهابية، تفاوضيّاً. وبعبارة أدق: لانتزاع الكلمة العليا في سورية، التي صارت تتركز بيد السوري والروسي، بإسناد إيراني ومن حزب الله. وبغطاء صيني إلى حدّ ما، فالعداء السعودي الرسمي للسوري، يفوق ما يدّعيه من عداء لطفله البيولوجي «الداعشيّ».
دعم صيني
الصيني يدعم الروسي في سورية، لأسباب عديدة ذكرناها لاحقاً، بجانب حاجة الصيني للروسي ودعمه له في علاقاته الصدامية مع أميركا في بحر الصين الشرقي، حيث يتمّ توظيف اليابان وفيتنام أميركياً. ولمساعدته في ضبط مغامرات كوريا الشمالية، مع سعي الصين، عبر الملف السوري، إلى إرباك «الناتو» في الشرق الأوسط، قبل التمدّد الأميركي الأكبر والأعمق في شرق آسيا. فمجتمع المخابرات الصيني متقاطع مع نظيره الروسي ونظيره الإيراني، يتابع آليات إعادة هيكلة الوجود الأميركي في المنطقة وخصوصاً في الخليج، بعد دخول الإتفاق النووي الإيراني حيّز التنفيذ بتفعيل وتفاعل أوباما قال: إيران احترمت الاتفاق النووي وما زالت. وأضاف بخبث عزّ نظيره: مجتمع المخابرات «الإسرائيلي» عزّز التقديرات المخابراتية الأميركية وأقرّ أنّ إيران احترمت الأتفاق النووي ، إن بسبب اكتفائها من الطاقة لغايات استراتيجيتها الجديدة الإرتكاز الآسيوي في شرق ووسط آسيا لمحاربة الصين. فبعد أنّ سلّمت واشنطن قاعدتها لبريطانيا في البحرين، جاءت زيارة العاهل البحريني في شباط الماضي 2016 لموسكو، ولقاؤه الرئيس فلاديمير بوتين، في منتجع سوتشي على البحر الأسود، لأخذ المباركة الروسية لغايات تأمين غطاء دولي لأوضاعه الداخلية، لأنّ التصرفات الأميركية صارت غير مؤكدة اليوم، وقد تكون هذه هي القطبة المخفية في علاقات المنامة مع روسيّا اليوم.
رسالة الـ«توشكا»
ولأنّ الرياض قالت وتقول وبشكل هيستيري وسريالي إنّ أيّ قوّات برية ستكون ضدّ عصابة «داعش» الإرهابية نازيو القرن الحادي والعشرين ، بعبارة أخرى، التدخل العسكري البري إن حدث، ينحصر في المناطق الشرقية، في دير الزور والرقّة. سؤال للسعودي: هل تضمن عدم انضمام جنودك لعصابة «داعش» في أماكن سيطرته، كونهم يشربون من النبع الوهابيّ الراديكاليّ ذاته؟ وهذا الدخول العسكري السعودي، في هذه المساحات المتصلة جغرافيّاً مع العراق، هي أيضاً، لغايات جلب «الزومبيات» الإرهابية وجذبهم إلى هذه المناطق، فأوضاع «الزومبيات» في الريف الشمالي السوري، قرب الحدود مع تركيا، لا تسرّ العدو ولا الصديق، بسبب الفعل المشترك الروسي السوري – الإيراني وحزب الله. كما هي أيضاً، موجهة لإيران وتتزامن مع بداية أزمتها الاقتصادية وبداية الإنفراج الاقتصادي الإيراني، حيث نرى الفصائل الفلسطينية العشرة المعارضة لأوسلو، في 12 أيلول عام 1993، بجانب قيادات «فتح» وكوادر من حزب الله اللبناني، اجتمعوا قبل خمسة أشهر وتحت سقف واحد في إيران الرسالة من دون تشفير وصلت للسعودية و»إسرائيل» وأميركا في وقتها وما زالت مستمرة .
في معارك حلب الآن، ضدّ النازي الإرهابي، «القاعديّ»، «الداعشيّ»، «الوهابيّ»، تمّ استخدام صاروخ باليستي من نوع «توشكا» من قبل مقاتلين من حزب الله. وهذه رسالة واضحة إلى أميركا و»إسرائيل» والسعودية، بأنّ أيّ تسليح للأدوات الإرهابية في الدواخل السورية، يعني تزويد حزب الله بمثل هذا الصاروخ. وتقول المعلومه بطرفها إنّ «التوشكا» وصل وبكميات معقولة إلى سورية. وصاروخ «توشكا» خبرته الرياض في حربها العدوانية الهمجية الحالية على اليمن العربي، وما زالت. واستخدامه من قبل الجيش اليمني مستمرّ، وصار تقريباً، بشكل يومي. و»توشكا» السوري، رأس جبل الجليد الصاروخي السوري، والمتأهّب من الصواريخ السورية الاستراتيجية لكثير من الأهداف أعظم وأعمق. وهو ذو مديات بعيدة تطال كلّ الجغرافيا التركية، وجزءاً من الجغرافيا السعودية، حيث لم يستخدم السلاح الصاروخي السوري الإستراتيجي بعد. ولم يتضرّر، كالدفاعات الجويّة السورية. إذاً كلمة السرّ في «توشكا» السوري، فما رأي السعودي والتركي والقطري و»الإسرائيلي»؟ أفيدونا.
كلّ ما سبق، يؤشّر إلى حقيقة واضحة وهي أنّ عقيدة الفدرالية الروسيّة تختلف عن عقيدة الاتحاد السوفياتي السابق. وهي أنّ موسكو تدافع عن حلفائها، وسورية خط أحمر روسيّاً، وما بعده حرب عالمية ثالثة. قالها ديمتري ميدفيدف، رئيس الوزراء الروسي في ميونيخ-2، مع إعلان منظمة الأمن الجماعي دعمها لدمشق، في حربها على الإرهاب. مؤشر قوي على ما ذهب إليه ميدفيديف بالتفاهم مع بوتين. وهي رسالة إلى مصر المتردّدة في الدخول بجانب الدولة الوطنية السورية، صيانةً للأمن القومي العربي. وهذا مؤشر آخر بأنّ الشرق الأوسط، ولعشرين سنة مقبلة، على الأقلّ، سيسوده قليل من السلام وكثير من القتال بسبب الفكر المتطرف وخصوصاً الوهابي، والاستثمار فيه وفي الإرهاب، من قبل محور واشنطن – تل أبيب ومن ارتبط به من بعض العرب، مع كلّ أسف وحسرة.
روسيّا، هي رأس حربة المنظومة الآسيوية الجديدة، التي تمثل الثقل السياسي والعسكري والاقتصادي والمالي والاستخباري الصاعد في العالم، ومعها إيران وحلفاؤها في محور المقاومة كشركاء على الأرض، ومعها الصين ودول «بريكس» و»منظمة شنغهاي» المعادل المدني والسياسي والعسكري والاقتصادي للاتحاد الأوروبي. هؤلاء الداعمون لاستراتيجيات روسيّا في العالم.
الاستراتيجية الروسيّة في سورية تقوم، بحدّها الأدنى، بتولي قوّاتها الفضاء والبحر السوريين، في حين يتولّى الجيش العربي السوري العقائدي، والحرس الثوري وحزب الله والمقاومات الشعبية السورية، والحشد الشعبي في العراق، تطهير الأرض السورية والعراقية من «سفلة» الإرهاب و»زبالته». والمعركة واحدة في العراق وسورية، إنّها معركة الجغرافيا، ولا بدّ للجيش السوري والجيش الروسي والجيش العراقي وحشده الشعبي، من ربط البادية السورية بالبادية العراقية. لذلك، هناك مشروع قرار روسي سيقدّم لمجلس الأمن الدولي، ليشمل الفعل الروسي الساحة العراقية وبشكل واضح، كما هو في الساحة السورية. وموسكو أعلنت لمن زارها مؤخراً أنّها لن تسمح بتسهيل دخول الإرهابيين إلى سورية من دول الجوار، كما كان الحال من قبل.
هجرات «الدواعش»
لكن ما يثير الريبة بعمق، هي تلك التقارير الصادرة عن مجتمع المخابرات البريطاني أم أي 6 و أم أي 5 الداخلية، بأنّ هناك ثمة هجرات كثيفة لـ»الدواعش» و»القاعدة» وكوادرهما، خصوصاً من الجنسيّة المصرية، حيث النكهة المصرية طاغية الآن في المطبخ السريّ لـ»القاعدة» في الداخل الليبي الساخن. لقد وصل هؤلاء قبيل بدء الضربات الأميركية لـ»داعش» في سرت في ليبيا، لقيادة عصابة «داعش» الطفل المدلل الأميركي، حيث والده البيولوجي الوهابيّ.
يعتقد كاتب هذا التحليل ومهندسه، أنّ ثمة رؤية لدى «اليانكي» الأميركي صدى البلدربيرغ الأميركي، لنقل مجتمعات «الدواعش» في ليبيا وكوادرها من الجنسيّة المصرية، إلى الداخل المصري، من خلال ضرب «داعش» في سرت الليبية وغيرها، وخصوصاً إلى المحافظة الشرقيّة المصريّة. ومن خلال نقل مجتمعات «الدواعش» إلى داخل مجتمعات سيناء وصولاً إلى الدلتا في الداخل المصري، هناك ثمة محاولة إنجليزية وأميركية أيضاً، لنصب فخ لروسيّا عبر اللعب على العصب الروسي، وشدّه واستدراجه للوحل الليبي. فلندن بخبثها وذكائها، تعلم أهمية وحساسية المكوّن الشيشاني الإرهابي القوقازي في «القاعدة» ود»اعش» بالنسبة لموسكو، لكي تدفع وتدخل روسيّا في فعل عسكري مماثل لدخولها السوري، بطلب من الحكومة الليبية حكومة السراج، التي طلبت ضربات أميركية مؤخراً. وأعلنت إيطاليا أيضاً، أنّها ستدرس إمكانية تقديم مساعدات عسكرية لواشنطن في ضرباتها في الداخل الليبي، إذا طلبت أميركا، أو عبر تفعيل قاعدة سيمفونيلا الإيطالية، قاعدة «الناتو» في جنوب إيطاليا، التي تضمّ نظاماً رادارياً تجسسيّاً بمجال جيوبولتيكي يشمل تركيا نفسها. وأنقرة ليست عضواً بالإتفاق الأمني الذي أنشأ قاعدة سيمفونيلا، رغم أنّها عضو في «الناتو». وقد كان لهذه القاعدة الدور الكبير في إسقاط نظام القذافي، الزعيم البدوي من خلال صواريخ «توما هوك» الأميركية ديمقراطية التوما هوك ، لإسناد الجهد الفرنسي وقت الملك ساركا ساركوزي في إسقاط القذافي ونظامه.
إرتباك سعودي
كلّ ذلك لإرهاق روسيا عسكرياً واقتصاديّاً وإفشالها. ويقع ذلك في سياقات الصراع البريطاني – الأميركي على مناطق النفوذ، واستعادة بعضها من الجانب الإنجليزي، مع تكتيكات بريطانية مع الصين لدعمها في صراعها مع الأميركي الصين تتحفظ على ذلك، كونها على تنسيق مع موسكو، فيما تهدف إليه لندن في المنطقة والعالم . وأكثر جهاز مخابراتي يعرف كيف يعمل ويفكر الروس هو الانجليزي. لكن موسكو ليست بهذه السذاجة التي تعتقدها لندن ومن وراء لندن، لننتظر ونرى كيف يتصرف مجتمع المخابرات الروسي ويقرأ ويحلّل التقارير الاستخباراتية البريطانية، ويفك شيفرة علاقاتها السريّة في هذه المعلومة بالذات، مع مجتمع المخابرات «الإسرائيلية» – الصهيونية، وخصوصاً مع جهاز «الموساد»، برئاسة عارض الأزياء يوسي كوهين، حبيب بعض العرب.
وكما قلنا آنفاً، من الممكن أنّ «الإسرائيلي» – الصهيوني قبل بالتخلي عن «زبالة» الإرهابيين بشكل جزئي وتكتيكي، مقابل ترتيبات أمنية على الحدود في الشمال مع الأردن. والأردن قبل بالإجراء الروسي الأخير وابتعد عن «الموك» أعلنت «الموك» فشل عاصفة الجنوب، ما غيرها، في وقتها ، ورفض فتح حدوده للطرف الثالث بالحدث السوري. وهو في طريقه نحو نصف استدارة إزاء دمشق، بمساعدة الروسي. وفي حالة رفض التحالف العربي، الذي يقوده السعودي والإماراتي والقطري، لجلّ الرؤية الروسية الجديّة الآن، والتي بدأت تترسم على أرض الواقع والميدان، فإنّ الجغرافيا اليمنية ستكون مقبرة لجنود هذا التحالف غير الشرعي، وخارج قرارات الشرعية الدولية والعربية أيضاً. لذلك قد نرى لاحقاً بعض انحراف سعودي مفاجئ نحو اجتراح الحلول وبشكل سري، إزاء المسألة السورية واليمنية والعراقية. وهناك تراجع فيما أعلنت عنه الرياض من قوّات برية، فمن الـ 150 ألف جندي إلى قوّات خاصة سعودية، إلى… إذا رغب التحالف الذي تقوده واشنطن وقرّر الإشتراك بحرب بريّة، سنرسل فقط قوّات خاصة. أكد على ذلك عادل الجبير في لقائه مع وسيلة إعلام ألمانية، على هامش ميونيخ-2 على الرغم من تناقض تصريحات الجبير، حيث لا يستمرّ موقفه الواحد وتصريحه أكثر من عشر ساعات، حتّى يصرّح بنقيضه، وهذا مؤشر ارتباك وتخبّط .
الخطر على سورية لم يعد من الجنوب السوري، بفعل الجيش العربي السوري وحزب الله والحرس الثوري والمقاومات الشعبية السورية، التي درّبها الشهيد سمير القنطار، إلى جانب الدور الإيجابي لعمّان، غير المعلن والرافض للرؤى الأميركية والسعودية في تسخين جبهة الجنوب السوري، والذي هو في طريقه – أيّ الأردني – إلى التحالف مع دمشق بمساعدة الروسي ثمة محاولات أميركية وسعودية للبحث عن فرص في الجنوب السوري عبر الأردن. وشرحنا ذلك في تحليلنا السابق: الجنوب السوري ولواء بني كنانه بمثابة مثلث برمودا أردني . والخطر من الشمال السوري بدأ نوعاً ما يتحدّد ويتحاصر إلى حدّ ما، ويتراجع بعد الانكفاءة التركية المكره عليها أردوغان، بسبب عقابيل المحاولة العسكرية الفاشلة والمدانة، بكلّ اللغات واللهجات المحليّة في كلّ الساحات.
حروب العرب والأتراك
وعلى الرغم من أنّ الجيش التركي لم يدخل في حرب حقيقية منذ أكثر من سبعين عاماً، ولم يستطع القضاء، حتّى اللحظة، على التمردات الكردية منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، وهو يحاول منذ أكثر من شهر مستعيناً بالمدفعية والأسلحة الثقيلة، أن يدخل من دون جدوى في شارعين في مدينة سور التابعة لديار بكر، بجانب وجود عقد وعقدة روسية في منشار المقترح السعودي، بإرسال قوّات برية، ورغم أنّ دمشق وموسكو وطهران وحزب الله يستعدون وبصمت، لكن الأمر واقع لا محالة.
وهناك بون شاسع بين الممكن والمتاح، وهو المسؤول عن تموضع الشكل والجوهر الذي ينتهي إليه مسرح العمليات، حيث تضيق الخيارات كلّ الخيارات. وزمن المتاح بدأ يتلاشى قبل الكارثة القادمة، التي ستمزّق المنطقة وعبر حرب العرب بالعرب، حيث العرب ما زالوا يمارسون استراتيجية العدا لإيران، والأخيرة توظف وتستثمر في الأيديولوجيا لإحداث اختراقات جيواستراتيجية تخدم مصالحها، في حين أنّ العرب، تستخدم الأيديولوجيا عندهم لحماية الأنظمة حتّى لو قادت إلى تفتيت المجتمعات، أو حتّى إلغائها.
محام، عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية
mohd ahamd2003 yahoo.com