رسالة من تحت الرماد

أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً… وأن تعترف متأخراً بالحقيقة خير من أن لا تعترف أبداً…

توقفت طويلاً امام هذا المدّ الهائل من الدمار والخراب الذي سبّبته الآلة الحربية الكولونيالية التي تقودها أياد عربية، أو تزعم انها كذلك، ولم تراع أية حرمة أو خصوصية أو كرامة ذلك الانسان البسيط الذي بالكاد يعيش يومه بتواضع، وإنْ كان فقيراً… لأنّ الكرامة لا تعترف بالفوارق الطبقية ولا بالغطرسة والجبروت، ولكنها تعتز بمجموعة قيم اكتسبتها من خلال مسيرة تكوّنها وصراعها مع كلّ أشكال وصنوف التخلف والرجعية، وأكسبتها تلك المنعه والكبرياء مهما بلغت غطرسة عدوّها عنان السماء، ومهما ملك كلّ الأدوات الاستبدادية وبلغ من الصلافة والعنجهية والغطرسة والغرور حداً لا يطاق، فلم تعد تهتمّ بماذا يملك او يستحوذ ذلك المتجبر الغاشم من عدة وعتاد.

لم أتمكن من رصد كلّ ذلك الدمار والخراب الذي لحق بالبنية التحتية لبلادنا، خاصة في مدينة عدن، نظراً لعدم توفر المال اللازم او امتلاك سيارة وشيء من المال يساعدني ويمكنني من التجوال والخروج بجملة انطباعات عن مدى الخراب الذي تسبّب في تهجير وتشريد عائلات من منازلها جراء ذلك الدمار الذي أقدمت عليه الآلة الحربية التدميرية عن طريق القصف الجوي الذي لا يميّز بين الأخضر واليابس! أو بين البشر والحجر!؟ والذي لا تزال هذه المدينة ترزح تحته رغم الزعم والادّعاء الكاذب الزائف انها قد تحّررت من تحت قبضة نير الأعداء، غير أنها لم تعش منذ تلك الأثناء عيشة الأحرار… لا بل تحوّلت الى سجن كبير تئنّ تحت وطأته تلك النفوس المشرّدة المعذبة التي لم تعد تملك ذلك الأمل، وإنْ تأمّلت… والتي لا حول لها ولا قوة إلا قوة الإيمان والصبر… وانّ فكرت في التمرّد والثورة فالآلة الحربية ستسحقها بكلّ بساطة بلا رأفة او رحمة!؟ تحت زعمهم الخادع الفجّ.. الإرهاب وعناوينه الكثيرة التي تحفل بها مطابخهم الدعائية والإعلامية، وهذا الكابوس المسمّى بالارهاب هو من صنيعة الامبريالية في طورها الكولونيالي البغيض والأداة التي بها تستبدّ كلّ من يفكر في الحرية والتحرّر والانعتاق من براثن الكهنوتية الجديدة التي تستبدل أقنعتها الماكرة في كلّ لحظة وثانية…

يعتقد كاتب هذه السطور انّ من الممكن ان يعود التاريخ الى الوراء طالما بقي الإنسان حبيس ذلك التفكير القمعي الاستبدادي ذي النكهة الكهنوتية، وخانعاً لكلّ صنوف القهر والجبروت واهماً نفسه بالغيبيات المتخشبة ومتوهّماً أنها المشيئة العليا التي يخضع لها الجميع ومرتكب الخطأ في ذلك الوهم الوهمي! راضياً بذلّ ومهانة لا توصف ولا تخطر على بال بشر!!؟

ومن هنا لا بدّ من إعادة التفكير في تفكيرنا الراهن والحالي والعمل على الانعتاق نحو الحرية الذاتية، والتحرّر الحقيقي من كلّ تلك القيود الظلامية التي نصبت شباكها حوله حتى نالت منه ومن كلّ غرائزة الحيوانية البشرية، وفتكت بقيم الأخلاق والعزة والكرامة لتجعل منه حيواناً مسخاً يملك لساناً يكاد يتكلم به في حدود ما تمليه عليه دوائر القمع والظلام والكهنوتية ولا يستطيع ان يبوح بكلام يحمل نسمات الحرية…

الجنوبي الحر

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى