صباحات
في الشام عرين له موعد مع تشرين، من داريا إلى المعضمية إلى الوعر وصولاً إلى حلب. انتظروا مواسم العنب. في تشرين تمتلئ الخوابي والخوابي ذهب. انتبهوا، في تشرين مواسم الغضب. ففيها التصحيح ومنها صارت الحرب كاللعب. في تشرين سيوفكم قصب وفي تشرين النصر كُتِب.
قبل أن يأتي كيري إلى جدّة قال المخلافي: لا بحث في حكومة الشراكة في اليمن قبل إلقاء السلاح وتسليمه. وبعد زيارة كيري قال المخلافي: مستعدّون لإبداء حُسن النيّة مرّة أخرى بقبول الحكومة لنفضحهم أمام المجتمع الدولي. تلميذ نجيب لمعلّمه محمد بن سلمان الذي قال إنه ارتضى اللقاء باللواء علي المملوك برعاية روسية ليفضح سورية أمام روسيا وهذا ما تحقّق، وفق بيانه الذي لم يجفّ حبره حتى كانت عاصفة السوخوي تبدأ. هناك عقول مفكّرة، وهناك عقول «مفكّرة حالها بتفكر وبتفهم!».
بعد أربع سنوات من الحرب التي جلبت للسوريين الخراب والدمار والموت يكتشف قادة مسمّيات «المعارضة» الذين قالوا إنّ الحلّ العسكري هو الطريق بأن الانسحاب من المدن التي جلبوا لها الدمار هو الأمثل. من سيحاسبهم على الفعلتين: الخراب والانسحاب. فإن كان الخراب فعلاً صحيحاً لماذا انسحبوا. وإن كان الانسحاب فعلاً صحيحاً لماذا خرّبوا؟ بئس الثورة والثوار الذين يعاملون شعبهم كفئران التجارب لغبائهم وجبنهم. لو كانوا ثواراً لترجموا الشعارات التي كتبوها على الجدران: لن تمرّوا إلا على أجسادنا. افعلوها وسنحفظ لكم لمرّة كخصوم بعض الاحترام للشجاعة.
سواد الغيم في نهاية آب من لون عمامة غياب الإمام. وضحكة الشمس لإشراقة المقاومة التي أسّسها وأثمرت تحريراً. وفي الغياب حضور مقيم لا يقاوم كما حضور الكثيرين غياب مستديم. فمن مثل إمام المقاومة يحضر كلما حضرت سيرة الشهداء.
في أول أيلول قبل خمس سنوات غادَرنا صديق ورفيق نصال هو مؤسّس الجبهة الشعبية لتحرير البحرين ورئيس الجبهة الوطنية الديمقراطية البحرينية المناضل القائد عبد الرحمن النعيمي ـ سعيد سيف ـ أبو أمل. قائد الحركة النقابية في البحرين وأحد قادة جبهة تحرير ظفار والخليج في وجه الاحتلال البريطاني. الهادئ الشجاع الحكيم المثقّف المتواضع أبو أمل نسمة في واحة الصحراء كرفيقه الراحل ناصر السعيد. ذكراكما عطر وطيب.
يصاب الإعلاميون المرتزقة لدى أجهزة الاستخبارات بعقدة الذنب لما يفعلون ولا يستطيعون إخفاءها بين ثنايا كلامهم بحشد حجج براءتهم من العمالة، من دون أن يتّهمهم أحد. فيستنجدون بادّعاءات العلم ليصوّروا الخيانة وجهة نظر. وعندما يكونون من طائفة المقاومة يظنّون أن سعرهم يرتفع كلّما زادوا الشتائم للمقاومة لشعورهم بعقدة النقص بين زملائهم في العمالة، ويخشون الشكّ بولائهم فيؤكدون الولاء بالمزيد من السباب والتشبّه بالذباب. وخير طريق في لبنان لأمثال هؤلاء كان ادّعاء العلمانية عذراً لعدائهم لمقاومة شعارها دينيّ. حتى فاجأتهم جوليا بطرس من طائفة أخرى ومن قلب العلمنة تغنّي بروحها وشغاف قلبها «أحبائي». للمقاومة وسيدها والمقاومين، احتشد اللبنانيون من حولها من كلّ الطوائف والعقائد وصفّقوا لها ووقفوا احتراماً، فوجد هؤلاء أنفسهم بلا وعي وبلا تفسير وبلا انتباه يكيلون لها الشتائم. لأنهم شعروا كأنهم صاروا عراة وسط الحشود. عقدة الذنب وعقدة النقص إذا اجتمعتا ما عاد المسمّى بالنديم نديماً وصار المسمّى بالصادق تحت آلة فحص الكذب. صباح الخير لجوليا… أحبائي… يا حبيبي يا جنوب… ليس منك إلا القمح، أما هذا الزؤان فينتمي إلى زمن الهوان.
لتورد خدوده خجلاً وبريق عينيه إطراقاً ووجلاً. فالتمجيد والتعظيم لشخصه عذاب لقلبه الكبير وحبه لشعبه ويقينه أنه بعض من عظمة هذا الشعب وعزّة هذا الطريق. فمن يجرؤ منّا أن يذكره بأنه عيد ميلاده ليسمع زجراً من عيار. احتفلوا بأعياد ميلاد التحرير والمقاومة ولا تمجّدوا أشخاصنا فتصيبونا بداء الأصنام. فكلّنا نعبد إلهاً ولا نضعف لزينة هذه الدنيا التي لا يبقى منها إلا صالح العمل. للسيد الذي يلتقي عند عقدة حاجبيه خطّ الخجل والوجل بخطّ الشجاعة والنصر والأمل، كما يلتقي خطّ العرض بخطّ الطول في بيروت عند الرقم ثلاثة وثلاثين الذي كتبه في حرب تموز. تحية عيد ميلاده رغم المخاطرة بغضبه المحبّب ترفّعاً وتواضعاً.