سورية… محور قمة العشرين
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
واضح أنّ قمة العشرين، التي ستعقد في بكين خلال الأيام القليلة المقبلة، سيكون محورها التفاهمات الروسية ـ الأميركية حول سورية. ولعلّ تحقيق تفاهم روسي ـ أميركي حول الملف السوري، سيمهّد الطريق لعقد تفاهمات أخرى، في مقدّمتها الخروج الأميركي من أفغانستان. كذلك، في حالة نجاح التفاهمات حول سورية، في هذه القمة، ستشهد قمما عدة ثنائية روسية ـ أميركية. وتصبح ثلاثية بانضمام الصين إليها، أو رباعية بحضور تركي، فيها، أو خماسية بانضمام السعودية. أو لربما، تكون هناك قمم متوازية ومتعددة الأطراف، على هامش القمة الرئيسية. وسيكون الملف السوري حاضرا فيها جميعاً. والسعودية التي تدرك أهمية قمة بكين، وبكين نفسها، ولي عهدها ووزير دفاعها محمد بن سلمان، سبق انعقاد هذه القمة، بزيارة لبكين، من أجل الضغط عليها وإغرائها ومقايضتها مصلحياً واقتصادياً، مقابل عدم وقوفها إلى جانب المحور الروسي ـ الإيراني ـ السوري، خصوصا بعد أن أعلنت الصين عن إرسال مستشارين عسكريين إلى سورية، للمساعدة اللوجستية في محاربة الإرهاب وبعدما كان الموقف الصيني لا يتعدّى الجانب النظري، في الوقوف إلى جانب ذلك الحلف. لكن يبدو أنّ الضغوطات والإغراءات السعودية، كما فشلت في الضغط على روسيا، ستفشل في الضغط على الصين، التي حسمت موقفها بالوقوف إلى جانب الحلف والمحور المعادي لأميركا، ومروحة تحالفها الدولي والإقليمي والعربي.
روسيا، على لسان نائب وزير خارجيتها، سيرغي ريابكوف، تقول بان المفاوضات الروسية ـ الأميركية تحقق تقدما ملحوظا وكبيرا. وفرص حصول اتفاق باتت كبيرة جداً. والمبادرة السياسية لحلّ شامل يتفق عليه في سورية، لم يعد ينقصها سوى التفاصيل. وفي حال توصل الخبراء، من الطرفين، إلى اتفاق، فإنه سيعرض على الرئيسيين بوتين وأوباما، ومن ثم تتمّ دعوة المبعوث الأممي دي ميستورا لجولة جديدة من المفاوضات في جنيف، تسبق الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة، لكي يعرض عليها هذا الإتفاق. ونيوزيلاندا، بصفتها الرئيس الدوري لمجلس الأمن الدولي، بدأت توجيه الدعوات للقادة والزعماء، من أجل حضور هذه الدورة، في الحادي والعشرين من أيلول الحالي، حول الموضوع السوري.
أميركا التي تقترب رئاستها من نهاية فترة ولايتها الحالية، اعتمدت سياسة المماطلة والتسويف وتقطيع الوقت، في كلّ الاتفاقيات والتفاهمات السابقة، التي جرت مع روسيا حول الهدن الموقتة وأسس الحلّ السياسي للقضية السورية التي تمحورت حول الاتفاق على أولوية الحرب على الإرهاب، قبل تحديد شكل النظام السياسي الجديد، وآليات وطرق المشاركة فيه. وفي كلّ مرة، كانت تختلق الحجج والذرائع من أجل عدم التطبيق والإلتزام، فيما يتمّ الإتفاق عليه مع موسكو، فسياستها ومشروعها في سورية قائم على استنزاف الجيش السوري في حرب طويلة، وتقسيم وتفتيت الجغرافيا السورية إلى جيوب وكانتونات أثنية وطائفية ومذهبية.
لكن هذه السياسة والإستراتيجية الآن، لم يكن لها أن تخدم أو تتيح لأميركا الإستمرار في المناورة، فالوضع والميزان العسكري على الأرض تغيّرا كثيراً لصالح سورية وحلفائها. وتركيا، ما بعد الإنقلاب الفاشل والتفاهمات مع موسكو وطهران، لم تعد الحليف الموثوق لواشنطن، هذا الحليف الذي أذاق أردوغان المرارة أكثر من مرة، فواشنطن هي من وقفت إلى جانب الإنقلاب الفاشل في البداية. وكذلك، هي من تحتضن فتح الله غولن، معلّم أردوغان السابق والمتهم بقيادة الإنقلاب الفاشل. يضاف الى ذلك، دعم واشنطن للأكراد في إطار سياسة واشنطن الرامية لتفتيت الجغرافيا السورية لكيانات هزيلة، وإقامة كيان كردي على طول الحدود السورية ـ العراقية، وبامتداد كبير داخل الجغرافيا التركية، بما يهدّد وحدتها الجغرافية واستقرارها الأمني والسياسي. ولذلك وجدنا الاستدارة في الموقف التركي من الأزمة السورية، من دون التخلي عن أطماعها في سورية. لكن المقايضة والتفاهم مع روسيا وإيران وربما سورية، على وقف التسهيلات والضخ البشري للجماعات الإرهابية، التي ترعاها تركيا في حلب جبهة النصرة ، مقابل السماح لها بتقليم أظافر الأكراد ومنعهم من إقامة كيان مصطنع متواصل جغرافياً، هي التي مهّدت لعمليتها العسكرية المسماة «درع الفرات» والاحتلال المؤقت لمدينة «جرابلس» السورية، وطرد الأكراد إلى شرق نهر الفرات.
أميركا تدرك تماماً أنّ حلقات الحلّ مترابطة من اليمن إلى دمشق وبغداد وكابول. ومحور حلحة عقد تلك الحلقات، هو ما يجري في سورية وعلى أرض سورية. وإذا اختارت أميركا الاستمرار في مشروعها لاستنزاف سورية وتفتيت جغرافيتها، فهي تدرك أنّ ذلك لن يكون في مصلحتها بالمطلق، فالتفاهمات الروسية ـ الإيرانية مع تركيا، من شأنها أن تضعف، إلى حدّ كبير، ما تملكه من أوراق للعبث والتدخل في الشأن السوري. الأتراك سيتكفلون بضرب وإضعاف الأكراد. الجيش السوري وحلفاؤه سيجتثون «جبهة النصرة» بشكل نهائي. تبقى «داعش» بحاجة إلى توافق وتفاهم روسي ـ إيراني مع الأميركي، للتخلص منها في العراق الموصل وسورية الرقة ودير الزور . وأميركا تدرك بأنّ سورية وروسيا وإيران لن تستمرّ في تحمّل التسويف والمماطلة الأميركية. وهذا الموقف قد يكلفها خسارة نفوذها، بشكل كبير، في المنطقة. ولذلك، أرجح أن تكون هناك تفاهمات روسية ـ أميركية قبل قمة العشرين في بكين، بحيث يجري الاتفاق على مبادرة شاملة للحلّ السياسي في سورية، تنطلق من الوقائع والمتغيّرات على الأرض، وتمهّد لتفاهمات أخرى مع روسيا وإيران حول اليمن والعراق ولبنان. وكذلك، لتفاهمات مع الصين وباكستان وأفغانستان وإيران، حول الخروج والإنسحاب الأميركي من أفغانستان. ومن دون ذلك لا أعتقد بأنّ هناك تفاهمات ستكون بالقطّاع أو المفرّق بين أميركا ومروحة حلفائها الدوليين والإقليميين والعرب، وبين روسيا وإيران ومروحة حلفائمها الدوليين والإقليميين والعرب أيضاً. فسورية هي مفتاح السلم والحرب وهي محور قمة العشرين في بكين.
Quds.45 gmail.com