جعبة دي ميستورا المثقوبة…
د. محمد بكر
في برنامج «حديث الثورة» الذي يبث على قناة «الجزيرة» القطرية اعتبر كبير مستشاري رئيس الوزراء التركي أنّ تواجد الروس والإيرانيين في الميدان السوري إضافة لنظام الرئيس الأسد يعدّ من العوائق الرئيسة لمرور أيّ حلّ سياسي للحرب السورية، ناسفاً بذلك كلّ ما بناه «معلمه» علي بن يلدريم من طيب الكلام عن الحكومة السورية والأسد.
قبل ذلك أعلن دي ميستورا عن مبادرة سياسية سيُكشف عنها خلال الأيام القليلة المقبلة لإنهاء الوضع الدامي في حلب، كذلك أعلن نائب وزير الخارجية الروسي ريابكوف أن مسؤولين عسكريين من بلاده سيجتمعون قريباً مع نظرائهم الأميركيين للتوصل إلى اتفاق نهائي، فهل ينجح ما يصبو إليه الفرقاء؟ وما هي القاعدة التي ستُبنى عليها تلك الصفقة، هذا إن وُجدت أصلاً بمعنى توافر النيات الحسنة لإتمامها .
ما طالبت به الخارجية الإيرانية لجهة الإيقاف العاجل لعمليات الجيش التركي شمال حلب، معززة بذلك رؤية دمشق، بأنّ انتهاك سيادة الدول غير مقبول، ولا يمكن تعدّيه بذريعة مكافحة الإرهاب من دون التنسيق مع الحكومة السورية، يشي بالضرورة عن حالة من الالتفاف صاغها أردوغان تجاوزت ربما حدود ما اتُّفق عليه مع موسكو وطهران، وبدت التزامات أردوغان كجرعة المخدّر ، التي نجح فيها في استجلاب المباركة الروسية – الإيرانية لجديده الذي لا يظهر إلا في إطار تمتين حضوره في الشمال، والعمل على تشكيل ما سمّيناه في مقال سابق بالمنتج السياسي المستند إلى صياغة منطقة عازلة قد تخلط الأوراق وكلّ ما يقال عن توافقات سياسية في المشهد السوري، لا سيما أنّ واشنطن لم تبد سوى القلق الذي هو بمنزلة «المباركة» لتوجهات أردوغان، وهذا ما يفسّر توقيت المطالبة الإيرانية بوقف عمليات الجيش التركي بأسرع وقت ممكن.
ما أطلقه نائب وزير الخارجية الروسي ريابكوف من طهران لجهة متانة العلاقات المتنامية بين البلدين، وأنّ أيّ إجراء لتقويضها او التأثير بها لن يثمر، يؤكد ويعزز متانة التوجهات المشتركة الروسية – الإيرانية في سورية لمواجهة التطورات والمنعكسات السلبية في الميدان السوري الجديد التركي ، وانْ كان حديث ريابكوف حينها متعلقاً بالملف النووي الإيراني، إلا أنّ الكلام في مضمونه ينسحب بالضرورة على مصالح البلدين في سورية، والخطوط الحمراء، التي بتنا في طور المساس بها في الساحة السورية، لا سيما أنّ مندوب سورية لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري أكد أنّ واشنطن تسعى إلى حرب استنزاف طويلة في سورية لجميع الأطراف، مستشهداً بما قاله روبرت مالي مستشار أوباما في هذا الإطار.
ما علينا إلا الانتظار لمعرفة المآلات والجدوى التطبيقية من المبادرة السياسية التي قال عنها دي ميستورا، التي إنْ أُطلقت مع استمرار غياب الثقة بين موسكو وواشنطن، واستمرار توجهات أردوغان في الشمال السوري، فإنّ ثمة ما يشي عن «سخونة « من نوع آخر في المشهد السوري أقلها ربما، رسائل عسكرية إيرانية شديدة إلى الجانب التركي.
فهل تكون المبادرة التي قيل عنها الناظم والمحدّد لتوافقات الفرقاء؟ أم بتنا على أعتاب مواجهة إيرانية – تركية في حلب؟ تغدو معها جعبة دي ميستورا مثقوبة والحلّ السياسي السوري مقتولاً.
كاتب صحافي فلسطيني مقيم في ألمانيا.
Dr.mbkr83 gmail.com