انتصار غزة والخطاب الفصائلي
عامر نعيم الياس
بعد الانتصار الميداني يأتي العمل السياسي للاستثمار والبناء على ما تمّ إنجازه، حتى أنّ البعض يرى أنّ الحرب التي لا تملك هدفاً سياسياً أو مخرجاً للحلّ تتحوّل إلى حرب استنزاف بانتظار نضوج مخرج ما.
في العدوان الصهيوني على غزة أعلن الانتصار الفلسطيني من حيث نتائجه الأمنية العسكرية، لكن السياسة التي تشكل إطار كلّ ما سبق تركت للعرب بالعموم وللفلسطينيّين بالخصوص، فهو انتصارهم قام على دمائهم وعلى أرضهم، أسطورة هذا الكيان انتهت نهاية اليوم الواحد والخمسين من العدوان هو توازن الردع. خرج خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ليشكر العالم أجمع مانحاً صك الفغران إلى قطر والخليفة العثماني في تركيا، قد يقول البعض إنه يمارس الديبلوماسية فهو يريد من طرف السلاح ومن آخر المال والإقامات والقصور، أما من دفن تحت القصف الوحشي في القطاع المحاصر فهو شهيد عند ربّه. بعده جاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ليتحدّث عن قرار السلم والحرب وضرورة أن يكون بيد السلطة، مضيفاً «إما حكومة واحدة وبندقية واحدة، أو لا مصالحة»، كلام كان بانتظاره القيادي في حركة حماس محمود الزهار الذي رفض سياسة المحاور، لا ندري أنّ خالد مشعل على الحياد! مؤكداً أنّ «حكومة الوفاق الفلسطيني ليست حكومة أبدية».
هنا نقف أمام طرفين الأول يلوّح بالمصالحة والآخر يغمز من قناة الحكومة الوفاقية، وهو ما يرفع من منسوب التوتر في علاقة رأسي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، مسرحا الحكم الفصائلي والانقسام الذي بات أمراً واقعاً ظهر بوضوح في ردود الفعل الشعبية الأوليّة في الضفة المحتلة على خلفية بدء العدوان الصهيوني على القطاع.
إنّ بوادر الصراع الفلسطيني الفلسطيني تمّ احتواؤها خلال الأشهر القليلة الماضية عبر حكومة الوفاق الفلسطيني برئاسة رامي الحمد الله هي حكومة الضرورة والانتهازية السياسية والمصالح التكتيكية الموقتة، ليست حكومة نابعة من توجه صادق لحلّ الخلافات بين حركتي فتح وحماس، ولا تنتج عن رغبةٍ في توحيد الصف الفلسطيني والخروج من الانقسام الذي أرخى بتداعياته الكارثية على القضية الفلسطينية، وهو أمر تجلى بهذا التراشق الإعلامي الذي حصل بعد انتهاء العدوان على غزة والذي من المرجح أن يعيد المشهد السياسي الفلسطيني إلى المربع الأول، حيث يحاول كلّ طرف من الأطراف نسب الانتصار إليه واستثمار الانعكاسات الإيجابية للنصر على وضعيته الداخلية والإقليمية والدولية، فملف إعادة الإعمار وإدارة هذا الملف المهمّ تستثمر فلسطينياً لغاية تمكين السيطرة الفصائلية بما يحقق تعميق الانقسام الداخلي وتعزيز وضعية فتح في الضفة وحماس في غزة، هدفٌ يستند إلى صراع قطبي محور الاعتدال في الشرق الأوسط، صراعٌ برز بعد الربيع الأميركي الذي عصف بالمنطقة وأتاح للقوى الإقليمية التنافس الدموي على تمرير مشاريعها الخاصة تحت رايته البراقة التي نقلت عدوى الحراك الشعبي تحت راية الحرية والديمقراطية على الطريقة الإسلاموية.
إنّ الأزمة السياسية التي يمرّ بها المشهد الحالي في فلسطين مرجحة للتفاقم كونها أزمة خيارات واستراتيجيات، حوّلها القادة الفلسطينيون في هذا التوقيت إلى وقود لخدمة صراع المحاور في المنطقة والتي تتلطى خلف صكوك الغفران الفلسطيني الفصائلي الذي يتبرّع هذا الفصيل أو ذاك بمنحه إلى من كان طرفاً في تدمير كلّ ما هو قومي وكلّ ما هو مقاوم للمشاريع الغربية على امتداد العالم العربي، يمنحها إلى حلفاء تل أبيب في المنطقة أرباب مكاتب المصالح التجارية ومنظري السلام المقدّس، فما خسره نتنياهو وآلته العسكرية في مواجهة دماء أطفال القطاع، سيتحوّل إلى نصر، كما جرت العادة دائماً، فالنخب السياسية العربية هي وحدها صاحبة الامتياز بإخراج العدو من أزماته.
كاتب سوري