طلال مرتضى في «قراءات تغوي الريح»… تنويعات على لحن واحد!
دعد ديب
طلال مرتضى، ومنذ عنوانه «قراءات تغوي الريح»، يستدرجنا إلى إغراء التجوّل عبر صفحاته، إنما بهدوء النسيم ونعومة الحرير اللذين تشي بهما طلاوة كلماته وعذوبة مفرداته التي ارتحلنا فيها وتوزّعت على أكثر من عنوان لرصد نتاجات أدبية تخيّر منها ما جادت به ذائقته المرهفة، ساكباً إياها بقراءات عمل على انتقائية فيها، تتدرّج بين الأسماء ذات البريق وتلك الأقل لمعاناً، بتواضع المتحيّز لما يراه من معنى أكثر منه انجرافاً وراء سطوة الأسماء الطاغية على المشهد الثقافي، في مقاربات تحليلية لفكّ شيفرة النصوص التي يعرضها على موشور انطباعاته في كتابه المعنون بـ«قراءات تغوي الريح» الصادر عن «مؤسّسة الرحاب الحديثة للطباعة والنشر والتوزيع» لعام 2016 ـ بيروت.
مجمل قراءاته الناعمة لا تضعك على مفصل محدّد من منظومته الفكرية بسلاسة مخاتلة للمعاني يبقيه على مسافة متأرجحة بين العوالم التي يمضي عبر متنها. يعتمد على ما تناثر من جمالياتها، يلتقط الجميل والآسر واللافت بروح ميّالة إلى رؤية اللطيف والرهيف، إذ إنه من الصعوبة بمكان محاورة ما يكتبه كاتب عن آخرين بعجالة مقال واحد، ولكننا مع ذلك نحاول تلمّس بعض عناوينه بقراءاته المختلفة من شعر ونثر ومرويّات، حيث يتنقل ما بين الومضة والقصّة القصيرة والخاطرة والتناسلات التي تنضح عنهم، تعلن عنها أسماء أصحابها مثل باسكال صوما، أميرة عبد العزيز، رشا صادق، محمد المطرود، شوقي بزيع وغيرهم كثيرون على اختلاف مناطقهم وانتماءاتهم القطرية والفكرية، معتمداً على عناوين لها من الجاذبية والسحر على استدراج المتلقّي للمضيّ معه في مسرّات القراءة عبر ألوان من الفنون يتوزّع الحديث عنها من تراجيديا إلى الأدب الساخر مروراً بالسِّيَر الذاتية. ولا ينسى طلال مرتضى المرور ببعض المواضيع العلمية.
بانوراما واسعة يعمل عليها الكاتب متجوّلاً بين الفنون ومعايناً لها، والأسئلة هنا التي تطرح نفسها: إلى أيّ حدّ تتعارض هذه الشمولية مع دقّة الولوج إلى خصوصية النصّ والوقوف على هناته؟ وإلى أيّ حدّ يخاطر هذا التنوّع في تلقّي إيقاعات الفنون من شرك الوقوع في ضبابية الرؤية المعيقة استبطانَ أعماقها؟
وهل الإشارة إلى مَواطن الضوء في أعمال أسماء لامعة وحتى الخابية منها يكفي؟ وهل لحظ مَواطن الجمال مبرّراً للتغاضي عمّا غفلت عنه منجزاتهم وأعمالهم؟
قد يكون في تسليط الضوء على الصور الناقصة والمعاني الهاربة من أصحابها والنصوص غير المكتملة ما يحفّزهم على شحذ ملكاتهم الإبداعية وتثقيل أدواتهم الفنية بكوامن مكنوناتهم أو لحين إحداث صدمة في ثوابتهم تشبه قدح حجر الصوان لخروج الشرارة المضيئة واستيلاد الماس المكنون.
ولعلّ العمومية في الإنشاء لا تضع القارئ في جوّ العمل تماماً، إنما تبقيه أسيراً لطريقة الواسطة التي تقدّم الفكرة وفهم هذه الواسطة. أي وقوفنا على بلاغة مرتضى ولغته أكثر من درايتنا بالعمل الذي يقرأه على أسماعنا، حيث لغة النصّ الأصلية تبقى غائمة على رغم استشهاده بالبعض ممّا تيسّر منها، حيث تحتاج النصوص إلى تفكيك عراها وروابطها الداخلية بأهمية ترابط معانيها العريضة والمباشرة ذاتها.
طلال مرتضى، الذي يطرق بيوت الأدب المتنوّعة محتفياً بالعتبات وتائهاً بين مفصليات اللوحة، مضيئاً جانباً منها ومتغاضياً عن جانب آخر، متسائلاً مرّةً ومساجلاً مرّة أخرى لزوم عدسة كاميرا تسجيلية تكمن في حضوره الإعلامي الواسع والمتابعة الرصينة لأحدث إصدارات دور النشر المختلفة، تقتنص ما سمح لها البهاء من تسجيله في الذاكرة والوجدان كرؤية تعد بالمزيد… المزيد في كشوفات اللغة والأدب.