«فورين بوليسي»: كيف يجلب فشل الانقلاب في تركيا السلام إلى سورية واليمن؟

نشرت مجلّة «فورين بوليسي» الأميركية تقريراً جاء فيه:

يمكن أن يتسبب التحوّل الحادث في التحالفات بعد الانقلاب الفاشل، في جلب السلام إلى اليمن وسورية، ولكن إذا اتفق الزعماء على بعض القواعد.

بعدما بدأ الغبار ينجلي عن انقلاب تركيا الفاشل، يمكننا الآن البدء في التعرّف إلى بعض الفائزين والخاسرين من وراء ذلك، رغم أنه لا يمكن توقّع أيّ شيء في الشرق الأوسط هذه الأيام. لكن من الواضح أن هناك تغيرات في عدد من التحالفات، وأن هذه التغييرات ربما تؤثر على اثنتين من أكثر المناطق سخونة في المنطقة: سورية واليمن.

الفائز الأول من فشل محاولة الانقلاب هو الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي خدمه الأمر في تسريع التحوّل الذي لطالما أراده لتركيا من دولة برلمانية ديمقراطية، إلى دولة رئاسية مركزية تنفيذية قوية، وهو على رأسها. وأكبر الخاسرين هم معارضو أردوغان في الداخل، والأكراد في تركيا وسورية والعراق وإيران.

فالوحدة التركية التي حدثت بعد الانقلاب استبعدت تماماً حزب «الشعوب الديمقراطي» الكردي، رغم أنّ الحزب أدان انقلاب 15 تموز. وتضمّنت دعوات أردوغان وحزبه إلى التظاهر حزبَ «الشعب الجمهوري» المعارض، لكن حزب «الشعوب الديمقراطي» لم يُدعَ.

جاء التجاهل المتعمد لحزب «الشعوب الديمقراطي»، كجزء من حملة أردوغان الهادفة إلى الحصول على أكبر عد من الأصوات لإجراء استفتاء على النظام الرئاسي. وفي حزيران الماضي، رُفعت الحصانة عن 152 برلمانياً، تمهيداً لاتهامهم بدعم الإرهاب. ومنهم 55 عضواً في حزب «الشعوب الديمقراطي» من أصل 59 عضواً، وإذا تم إثبات التُهم، سيتعيّن عليهم الاستقالة، وإجراء انتخابات جزئية على مقاعدهم الشاغرة.

وبينما أظهرت استطلاعات رأي سابقة أن نسبة مؤيّدي التحوّل الذي يسعى إليه أردوغان تبلغ فقط 38.4 في المئة، إلا أن شعبية أردوغان ارتفعت من 47 في المئة قبل الانقلاب لتصبح بعد اليوم 68 في المئة. ومع وجود أجهزة الدولة في ظهره، والقومية التي اكتسبها بحربه على الأكراد في الجنوب، ربما يحصل أردوغان على المقاعد الـ14 المطلوبة لتمكينه من إجراء الاستفتاء.

ويعدّ التدخل التركي مؤخراً في سورية جبهة أخرى في حرب أردوغان ضدّ الأكراد. وبينما تم الإعلان أن الهدف الرئيس للقوات التركية تطهير مدينة جرابلس من قوات تنظيم «داعش»، إلا أن الهدف الحقيقي يتمثل بالتدخل ضدّ حزب «الاتحاد الديمقراطي» الكردي وجناحه المسلّح، «وحدات الحماية الشعبية».

ووفقاً لمصادر صحافية، فإن قوات تنظيم «داعش» قد انسحبت من المدينة بالفعل منذ أسابيع بفعل هجمات «وحدات الحماية الشعبية»، وأن الأتراك قد دخلوا المدينة لمنع الأكراد من السيطرة عليها. ولكن السؤال الآن، إلى أيّ مدى ستذهب الأمور؟ هل ستصل إلى حرب كاملة مع حلفاء أميركا من الأكراد؟ لقد دعم الجيش التركي بالفعل «الجيش الحرّ» في معارك ضدّ الأكراد. وبالنظر إلى وجود أسلحة ومعدّات هندسية ثقيلة في التدخل التركي الأخير، ربما يخطّط الأتراك للبقاء قليلاً.

وبينما تمثل وحدات الحماية الشعبية القوة البرّية للولايات المتحدة في قتالها ضد تنظيم «داعش»، فقد دعمت واشنطن بشدة التدخل التركي وحذّرت الأكراد من التحرّك من الضفة الغربية للفرات وإلا سيخسرون الدعم الأميركي.

الأكراد الآن في موقف لا يحسدون عليه في سورية، فهم واقعون تحت التهديد المباشر من الجيش التركي، وتم الهجوم عليهم في محافظة الحسكة من قبل الجيش السوري، كما تم توبيخهم من قبل حليفهم الرئيس الولايات المتحدة. وبينما يقعون تحت حصار الجيش التركي، يواجه ممثلوهم في البرلمان اتهامات بدعم الإرهاب على أيدي حكومة أردوغان. وتقصف القوات الجوية التركية أيضاً الأكراد في العراق. وفي مجمل الأمر، لقد كانا أسبوعين عصيبين على الأكراد في كل مكان.

ورغم أنّ أردوغان قد ازداد قوة، إلا أن معظم الملاحظين يعتقدون أن تركيا قد فقدت كثيراً من قوة دورها الإقليمي والدولي.

ويبدو أن اتفاقية اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي في طريقها إلى الانهيار. فالبرلمان الألماني متحفّز ضدّ أردوغان وقبضته الثقيلة على المعارضة الداخلية، ودعمه جماعات متشدّدة في سورية.

ولقد أتى قرار تركيا إسقاط مقاتلة روسية في 24 تشرين الثاني بنتائج عكسية سيئة. فقد أنهكت العقوبات الروسية الاقتصاد التركي، كما نشرت روسيا أسلحة متطورة مضادة للطائرات في سورية، وهو ما يمنع تركيا أو الولايات المتحدة من أي إمكانية لفرض منطقة حظر جوي.

كما كان أردوغان مضطراً لإبداء أسفه، إضافة إلى سفره إلى سان بطرسبرغ ليقابل الرئيس الروسي وجهاً لوجه. الرئيسان ابتسما وتصافحا، لكن روسيا قد استغلت التوتر الحادث ومرّرت خططها بإنشاء خطوط أنابيب للغاز تمرّ من أوكرانيا. وفوق ذلك، فإن تركيا والاتحاد الأوروبي في معركة مستعرة حول ما إذا كان خط أنابيب الغاز سيمر جنوباً عبر تركيا والبحر الأسود من خلال مشروعها «تركيش ستريم»، أو سيمر شمالاً عبر بحر البلطيق وألمانيا ومشروعها «نورد ستريم».

وصرح أردوغان أن روسيا وإيران قد منعا حلاً عسكرياً للحرب السورية، ولمّح إلى تراجع عن طلبها بوجوب رحيل الأسد قبل التحدّث عن أيّ حلّ للصراع. وتتحدث تركيا الآن عن إمكانية وجود الأسد كجزء من عملية الانتقال الحكومي، وهو رأي لا يختلف كثيراً عن رأي روسيا. أما إيران، فهي حتى الآن، تدعم إبقاء الأسد في موقعه بشكل كبير.

تقع إيران في موقف أقوى هذه المرّة، فهي قد منعت الإطاحة بحليفها الرئيس في المنطقة، الأسد، بمساعدة روسيا، كما تعدّ أسواقها الواعدة مطمعاً لدى تركيا من أجل الاستثمار.

لكن، ورغم ذلك، فإنّ أي تحالف ثلاثيّ بين موسكو وطهران وأنقرة، يتوقع أن يشهد انقسامات كبيرة.

تركيا دولة عضو في حلف شمال الأطلسي الناتو، وتملك ثاني أكبر جيش في التحالف، ويعتمد جيشها بشكل كبير في معدّاته على الولايات المتحدة. ويحتاج التحالف إلى تركيا، رغم تضارب مشاعر تركيا مؤخراً تجاه التحالف. وكان استطلاعاً قبل أكثر من سنة قد أظهر أن 30 في المئة فقط من الأتراك يثقون بحلف الناتو، إلا أن هذه النتيجة ستصبح أسوأ الآن بعد محاولة الانقلاب بسبب تورط عدد من أقسام الجيش القريبة من الناتو في الانقلاب.

ويعتري القلق حكومة إيران حول علاقة أردوغان بجماعة الإخوان المسلمين، وعلاقات أنقرة الوثيقة بأكبر عدوّ إقليمي لإيران، المملكة العربية السعودية. لدى إيران علاقات يشوبها التوتر أيضاً بروسيا، رغم أنّ موسكو قد لعبت دوراً هاماً في إنجاز الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة، ورغم تأكيد إيران على وصف علاقتها بروسيا بالاستراتيجية.

وتبدو السعودية خاسرة في كلّ هذه الجبهات. فهي ظنت أن إطاحة الأسد ستكون أمراً سهلاً. لكن الأمر لم يكن كذلك، بعد مرور خمس سنوات بينما لا يزال الأسد في موقعه.

وتحوّلت حرب اليمن إلى مستنقع، وبدأت الإمارات التي قدّمت الدعم البرّي في الحلف الذي تقوده السعودية بسحب قواتها، وقلّصت الولايات المتحدة من مستشاريها الجويين في هذه الحرب، وصرّح آدم ستامب المتحدّث بِاسم وزارة الدفاع أن مساعدة الرياض لم تكن شيكاً مفتوحاً. كما يسعى أعضاء في الكونغرس وجماعات سلام لوقف صفقة عسكرية للسعودية بقيمة 1.5 مليار دولار.

ومن منظور عسكري، فإن الحرب في اليمن كما هي عليه في سورية، غير قابلة للحسم، وقد بدأت واشنطن إدراك ذلك.

وتعاني السعودية من جبهتها الداخلية أيضاً. فقد تحوّلت حملتها لإطاحة الأسد والحوثيين إلى معركة باهظة الثمن بفعل انخفاض أسعار النفط. وقد اضطرت المملكة للاقتراض، والعمل على برامج تعالج مشكلة البطالة بين الشباب السعوديين. وقد استهدف تنظيم «داعش» السعودية بأكثر من 25 هجمة خلال السنة الماضية.

ولا يبدو أن إنهاء حرب اليمن بهذه الصعوبة. يمكن أن يبدأ الأمر بإيقاف السعودية حربها الجوية، ثم من الممكن أن تنظّم الأمم المتحدة مؤتمراً يضمّ كلّ الأطراف في اليمن باستثناء «داعش» و«القاعدة»، للترتيب لانتخاب حكومة وحدة وطنية.

لكن الأمر في سورية يمثل تحدّياً أكبر. ويصف باتردبيك كوكبرن الخبير بشؤون الشرق الأوسط في «إندبندنت»، الأوضاع في سورية، كلعبة شطرنج ثلاثية الأبعاد وفيها تسعة لاعبين ومن دون قواعد. لكن الحلّ بالإمكان.

ينبغي أولاً انسحاب اللاعبين الخارجيين من الأمر، الولايات المتحدة وتركيا وروسيا وإيران ودول الخليج، ووقف الدعم المالي والعسكري لحلفائهم داخل سورية، وعدم التورط في الحرب بشكل مباشر. وينبغي عليهم الاعتراف أيضاً أنه لا يمكن لأحد أن يفرض على السوريين من يحكمهم. فهذا شأن داخلي، يرجع للأطراف المشتركة في الحرب باستثناء «داعش»، و«جبهة النصرة» المرتبطة بـ«القاعدة» .

يجب أن تُحلّ القضية الكردية قبل كل شيء. ينبغي أن يكون للأكراد مكان على الطاولة رغم معارضة تركيا وإيران. ولأجل إحلال السلام في المنطقة، سيتعيّن على تركيا أيضاً أن توقف حربها ضدّ الأكراد في جنوب تركيا.

لقد صنع أردوغان سلاماً مع الأكراد قبل ذلك، لكن أردوغان هو نفسه من أعاد الحرب لإضعاف حزب «الشعوب الديمقراطي» الكردي وليعيد اكتساب الأصوات التي فقدها في انتخابات 2015. وقد نجحت الحبكة، حيث فقد الحزب الكردي مقاعده بعد ذلك بأربعة أشهر، وعادت الغالبية لحزب «العدالة والتنمية». لكن الرئيس التركي لم يحصل على ثلثَي المقاعد المطلوبة لإجراء الاستفتاء على الدستور.

إنّ أردوغان رجل عنيد وذو شعبية، وزادت شعبيته بعد محاولة الانقلاب الفاشلة. لكن تركيا غير حصينة إقليمياً ودولياً، ويمكن للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا أن يضغطوا في كلا المنطقتين. وقد لمّح الرئيس التركي إلى استعداده للتراجع بالفعل قبل أيّ مفاوضات جادة مع روسيا عن شرط رحيل الأسد قبل بدء إجراء تفاوضات جادة.

وإذا وافق أسياد لعبة الشطرنج على وضع بعض القواعد، يمكنهم حينئذٍ وقف هاتين الحربين الداميتين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى