حلب مجدداً… وكرّ بلا فرّ ربع الساعة الأخير
ناصر قنديل
– ليس خافياً أنّ أبرز سبب لتأجيل الإعلان عن التفاهم الروسي الأميركي الذي كان مكتمل العناصر حول سورية، كمدخل للتفاهمات التي كانت تنتظر دورها حول ساحات وملفات نزاعية أخرى على الساحة الدولية بين واشنطن وموسكو، يرتبط بالنجاح العسكري النوعي الذي حققه الجيش السوري وحلفاؤه بالسيطرة على الكليات العسكرية وإغلاق معبر الراموسة وبالتالي إغلاق الثغرة التي نجحت جبهة النصرة بفتحها جنوب غرب حلب، لإقامة توازن مقابل نجاح سابق للجيش السوري وحلفائه بالسيطرة على معبر الكاستيلو، وإطباق الحصار على الأحياء التي يسيطر عليها المسلحون، وبعودة الوضع إلى ما كان عليه بعد انتصار الكاستيلو، وإسقاط الاختراق الذي حقق التعادل بوجهه، عادت صورة حلب عسكرياً بكفة مائلة بقوة لصالح الجيش السوري وبالتالي أنهى هذا التحوّل النقاش حول حلّ أمني في حلب يعكس حالة التوازن العسكري وفقاً لما كان يصرّ عليه الأميركيون، ولأنها حلب عنوان توازنات الحرب السورية، لم يكن سهلاً قبول واشنطن بحلّ يعكس التوازن الجديد، والتعامل مع أحياء حلب الشرقية وفقاً لنموج داريا والمعضمية.
– خلال الشهرين اللذين شهدت فيهما جبهات حلب حروباً ضارية، وسقط خلالهما قاربة الألفين من مسلحي المعارضة وجبهة النصرة، وقرابة الخمسمئة من مقاتلي الجيش السوري وحلفائه، تكرّست حقائق عسكرية كان الموقف التركي خلالها لا يزال منخرطاً في دعم جبهة النصرة وخطوط قتال الجماعات المسلحة، ورغم ذلك ثبت أمران، الأول استحالة تمكن النصرة ومن معها من جماعات مسلحة من زحزحة الجيش وحلفائه عن النقاط التي تمركزوا فيها مع دخولهم منطقتي الكاستيلو والليرمون، والثاني تراجع قدرة النصرة ومَن معها إلى حيث يرتبط الإنجاز باستقدام وحدات النخبة القتالية من جبهات إدلب وريفها، وهذا ما تمّ في محاور الكليات العسكرية والراموسة، وهذا يعني أنّ الكرّ والفرّ لم يحدثا في جبهات حلب، بل حدث توازن كرّ مقابل لكرّ آخر، وبعد دحر النصرة ومن معها من محاور الكليات والراموسة والتقدم نحو محاور جنوب حلب وصولاً إلى خان طومان فهذا يعني أنّ ما حدث في الكاستيلو سيتكرّر في الراموسة والكليات، حيث لا كرّ وفرّ، وهذه المرة لا جبهات أخرى تصلح للاختراق.
– هذه المعطيات والحقائق في أغلبها سابقة للتحوّل التركي الذي بدأت مفاعيله الآن، حيث ترجم حركته بإقفال خط الحدود غرب أعزاز على كلّ الجماعات المسلحة، وفقاً لتفاهمه مع موسكو وطهران، باعتبار هذا الخط الحدودي يعمل لحساب جبهة النصرة ومن معها، وقدم للجماعات المسلحة الراغبة بالعمل مع أنقرة خياراً بديلاً هو نقل معداتها وعديدها وعتادها عبر معبر باب الهوا إلى تركيا والعودة إلى سورية من معبر جرابلس للمشاركة في الحرب ضدّ داعش تحت مظلة تركية، والتموضع في المناطق التي تنتزع من قبضة داعش، وما جرى في الكاستيلو والراموسة سيزيد من زخم تشجيع الجماعات المسلحة التي عملت تحت عباءة النصرة على الالتحاق بالخيار التركي، وستسير الأمور عسكرياً وفقاً لمعادلة جديدة، مزيد من الخسائر في ضفة جبهة النصرة يرافقها مزيد من نزيف الجماعات المسلحة نحو جبهة جرابلس، ينتج مزيد من الخسائر وبالتالي مزيداً من النزيف.
– المهلة الممنوحة أميركياً لتعديل توازنات حلب العسكرية، هي عملياً مهلة ممنوحة لجبهة النصرة، وهي عملياً مهلة ممنوحة لدعوة المسلحين للانقلاب على الخيار التركي، لكنها عملياً أيضاً مهلة محكوم عليها بالفشل، والحاصل واضح من الآن، معادلة حلب ستتكرّس أكثر وأكثر، ولذلك يبشر الرئيس التركي بهدنة تتمدّد إلى العيد، وتشكل نواة وقف إطلاق نار شامل وفقاً لوزير الخارجية الألماني، ومدخلاً لانطلاق العملية السياسية، وفقاً للمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، ولأنها حلب، ولأنّ فيها يُحسم مصير النصرة، تبدو الأيام الفاصلة عن الإعلان عن التفاهم على هدنة موضعية ومؤقتة مفتاح التفاهم الأشمل وربما أصعب منه، ولذلك تدور المعارك الضارية التي ستخسر فيها النصرة موجات بشرية ترسلها للموت موجة تلو الأخرى، كما يحدث الآن في جبهات حلب وجنوبها، وهذا لن يثبت النصر في حلب وحدها بل سيفتح طريق النصر خارجها، بعدما تفقد النصرة في مهلة حلب وجبهاتها خيرة رجالها وقوتها القتالية، فتصير جبهة ريف اللاذقية الشمالي متصلة بجسر الشغور، وجبهة ريف حلب الجنوبي متصلة بسراقب، وكلتاهما تتصلان بخط يفك الحصار عن الفوعة وكفريا ويحاصر إدلب، ويمهّد لفتح طريق حلب الدولية وصولاً إلى حماة، وهذه تطورات لا يجب استبعاد حدوثها بطريقة دراماتيكية، لأنّ الهدنة ووقف النار لا يشملانها، بل يساعدان في حشد المزيد من القدرات لهذه الحرب، باعتبارها الحرب على الإرهاب التي تستثنى من أحكام الهدنة ووقف النار.
– خارطة الطريق ترسم ذاتها بذاتها في الميدان، ومن شمال سورية كما من دمشق، ستتحرّر حشود من المقاتلين، بصيغ التسويات التي أنتجتها الانتصارات، ليتيح حشد هذه القوى القتالية في جبهات متوازنة نسبياً تحقيق المزيد من الانتصارات، وتالياً المزيد من التسويات، وصولاً للمزيد والمزيد من الانتصارات، هو ما تبقى من أشهر هذا العام، وما تبقى من ولاية الرئيس الأميركي، ليس وقتاً ضائعاً، بل ربع الساعة الأخير.