كاميرون والبعد الداخلي لمكافحة «الجهاديين»
عامر نعيم الياس
المشهد بعد ذبح الصحافي الأميركي جيمس فولي، ليس كما قبله. أوباما اختار قيادة الحرب من الصفوف الأمامية، وبريطانيا التي طالما تبعت واشنطن، تولّت شنّ حملة إعلامية وسياسية منسّقة على التهديد الإرهابي الذي تمثّله «الدولة الإسلامية». البداية جاءت من الهجوم القاسي والمفاجئ الذي بدأ به رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون على تنظيم «الدولة الإسلامية»، «الذي يشكل تهديداً لم نواجهه من قبل»، فضلاً عن أنّ العالم يواجه خطر «وجود دولة على حدود الناتو» ستتمدّد إلى لبنان والأردن. عبارات تصبّ بمجملها في إطار تبيان خطر «داعش» على مصالح الغرب والأطلسي الحيوية في الشرق الأوسط، وتدفع إلى نتيجة حتمية بضرورة محاربة هذا التنظيم بأيّ شكل من الأشكال، كونه صار أولوية مطلقة في أجندة الأطلسي.
لم تقف الأمور عند هذا الحدّ، بل بدأت الصحف البريطانية بالتوازي مع تصريحات رئيس الوزراء، حملةً منسّقة أعادت إلى واجهة العناوين ملفات «الجهاديين» البريطانيين المنضوين تحت راية تنظيمات القاعدة في سورية، خصوصاً «داعش»، والخطر الذي يشكّله هؤلاء «الجهاديين» على أمن المملكة المتحدة الداخلي. كما نقلت الصحف في تقاريرها تصريحات لمسؤولين بريطانيين رفيعي المستوى حول هذا الملف.
قائد شرطة لندن قال: «إن أيّ شخص يسافر إلى سورية إرهابيّ حتى يثبت العكس». فيما رأى محافظ لندن أنّ «البريطانيين الذين يسافرون إلى سورية متّهمون حتى تثبت براءتهم»، وهو ما ترجمته «تايمز» بالمطالبة بتجريد «الجهاديين» من الجنسية البريطانية، في الوقت الذي طالبت فيه «غارديان» بزيادة الضغوط على تركيا لإيقاف تدفّق «الجهاديين».
وبحسب «لوموند» الفرنسية، فإن عدد المقاتلين البريطانيين في سورية وصل إلى 500 مقاتل في هذه الأيام، وبلغ عدد الذين قاتلوا في سورية وعادوا إلى المملكة المتحدة 250 شخصاً. هو تهديد إرهابيّ دفع برئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون إلى اتخاذ خطوات على الصعيد الداخلي، تفسّر تركيزه على خطر «الدولة الإسلامية» في تصريحاته الأخيرة، كما تفسّر الهدف الكامن وراء الحملة التي شنّتها الصحافة البريطانية بُعَيد كلام رئيس الوزراء، إذ يستعرض كاميرون أمام البرلمان البريطاني إجراءات تشريعية جديدة تهدف إلى مكافحة التهديد «الجهادي»، ومنع الشباب البريطاني من العودة إلى وطنهم الأمّ لتنفيذ عمليات إرهابية.
وتشمل الإجراءات سحب جوازات سفر الذين تثبت مشاركتهم في «الجهاد»، وإلغاء إقامات المشتبه بهم، وتشديد رقابة الشرطة على حركة الذهاب والغياب من سورية وإليها. وبحسب «لوموند»، فإنه وفي ما يخصّ ملفّ سحب الإقامات، يتوجب على كاميرون التعاون مع الليبراليين الديمقراطيين الذين يقدّمون أنفسهم مدافعين عن حقوق الإنسان، إذ ألغوا عام 2011 قانوناً أقرّه حزب العمال أثناء فترة حكمه، يمنح وزير الداخلية الحقّ بسحب إقامات بعض المشتبه بتورطهم بقضايا معيّنة. لكن على رغم ذلك، هل من الممكن ربح معركة الحرب على «داعش» عبر حصر التشريعات والقوانين والقرارات بالمستوى الداخلي؟ ألا تتعدّى فكرة الحرب على الإرهاب المفهوم الداخلي إلى المفهوم الكوني، أم أنّ لسورية خصوصية يجب أن تبقى على رغم التهديد الحقيقي الذي صار «داعش» يمثّله على الأمن والسلم الدوليين؟
إنّ الإجراءات التي ينوي كاميرون اتخاذها بحق «جهادييه»، تحمل في أحد جزئياتها بعداً داخلياً. فهي، بحسب المراقبين، لها علاقة باقتراب موعد الانتخابات التشريعية البريطانية التي ستجري في شهر أيار من عام 2015. وهي على رغم ما يروّج لها في الإعلام البريطاني والغربي، لا ترقى إلى المستوى المطلوب في مواجهة تنظيم وصّف رئيس الحكومة البريطانية خطره على الغرب بدقّة، وستبقى غير ذات قيمة طالما لم تقترن بتعاون دوليّ شامل وجدّي لمكافحة هذا الملفّ الشائك، وبغطاء من قرار أمميّ صارم يمنع تدفّق القَتَلة إلى سورية، خصوصاً عبر تركيا وباقي دول جوار سورية. عند هذه النقطة تقول «لوموند» إنّ الإجراءات التي يريد كاميرون إقرارها في البرلمان، تتطلّب تعاون ألمانيا وتركيا بهدف منع عودة «الجهاديين» إلى بريطانيا، كما تتطلّب تعاون أجهزة الاستخبارات في ما يخصّ هوية المسافرين على متن شركات الطيران، والذين يشتبه في ذهابهم إلى سورية.
كاتب سوري