جمر الحقيقة
آهٍ على آهٍ… أسىً وبكاءُ
ودَمُ الحروفِ قصيدةٌ ورثاءُ
قلبي على جمرِ الحقيقةِ والرؤى
يشكو العياءَ وما هناكَ عَياءُ
يشكو مِنَ الزَّمنِ الغريبِ وكلُّنا
واللهِ ـ منْ فَرْطِ الأسى ـ غرباءُ
والليلُ يشكو الليلُ طولَ سُهادِهِ
والصبحُ حتى الصِّبحُ عاشوراءُ
زَمَنٌ تفلَّتَ من سواعدِ كُنْههِ
وطَغَتْ عليهِ الفتنةُ الظَّلماءُ
زمنٌ ويرفضُ كلَّ حكمةٍ عاقلٍ
وإلى الهوامشِ أُقْصيَ العقلاءُ
جلُّ النُّفوسِ تشيَّأَتْ وتغرَّبتْ
وتمازجتْ بالأنفسِ الأشياءُ
وكأنَّ آدمَ لم يزَلْ بضلالهِ
تَغويهِ بَعْدَ ضلالِهِ حوّاءُ
والأَصْلُ هُجِّنَ والفروعُ اسْتُنْسِخَتْ
وتشابَهَ الأشْباهُ والأُصلاءُ
والطينُ غادَرَ أرْضَهُ وترابَهُ
والماءُ قَدْ هَجَرَ العيونَ الماءُ
والباءُ لمْ تَأْبَهْ بِبَسْملةِ السَّنى
وتمرَّدَتْ عن جَزْمِها الأسماءُ
فالعلمُ عَيْبٌ والفضيلةُ ذلَّةٌ
والجودُ شِحٌّ والصَّحيحُ رِياءُ
والمالُ ربُّ العابدينَ لمالِهِمْ
والأغنياءُ بِبِخْلِهِمْ كُرماءُ
أنا ما قسوتُ على الزَّمانِ لطالما
فيهِ يُذَلُّ مِنَ الورى الشُّرفاءُ
لو عادَتْ الخنساءُ حِزنَ قصيدةٍ
لبَكَتْ على أحزانِنا الخنساءُ
يا أمّةً ساسَ الرَّعاعُ أُمورها
وتحكَّمتْ بشؤونِها الغَوغاءُ
وتكادُ هذي الأرْضُ تكْرَهُ ذاتَها
لو لمْ يُطهِّرْ وَجْهَها الشُّهداءُ
يا حسرةَ الشعراءِ أينَ عُكاظُهمْ
تَضيعُ مَرْبَدَ شعرها الشعراءُ
وأرى الحجازَ مهاجراً عن مكّةٍ
وأرى قباءً ليسَ فيهِ قِباءُ
ما عادَ دجْلةُ نَهْرَ بغدادٍ ولا
عادتْ إلى سرَّاءَ سامرّاءُ
ماذا عنِ الزمنِ الغريبِ وكلُّنا
واللهِ ـ من فرطِ الأسى ـ غرباءُ
زمنٌ بلا جهةٍ تُحدُّ بوجهةٍ
وأمامَهُ ـ وا حسرتاهُ ـ وراءُ
وربيعهُ فصلُ الصقيعِ وصيفُهُ
ما عادَ يَسْألُ عن مداهُ شتاءُ
قُلِبتْ مفاهيمٌ بِمُصْطلحاتِهِمْ
وتجزَّأتْ عن جزئِها الأجْزاءُ
الكافرونَ بربِّهمْ مَنْ آمنوا
والمؤمنونَ بربِّهمْ كُفراءُ
واللهُ مَحْتكرٌ بلفِّ عمامةٍ
تلتفُّ فيها حيَّةٌ رقطاءُ
كلُّ إمامٌ ـ والأئمَّةُ غُيِّبوا ـ
مُتفقِّهٌ والفقهُ منهُ براءُ
يفتي بشرعِ اللهِ لا متثبِّتاً
وإذا تكلَّمَ تخجَلُ الإملاءُ
ولكمْ تسارعَ فيكمُ من باطلٍ
وإلى الحقيقةِ يبطئُ الإبطاءُ
والعاملونَ المخلصون وإنَّهمْ
إنْ أحْسنوا قالَ الأنامُ: أساؤوا
وتغرَّبَ الإسلامُ عن إسْلامِهِ
فالقائمونَ على الهُدى الدَّهماءُ
متأسلمونَ استسلموا لمنافِعٍ
وفقيهُهُمْ وتقيُّهُمْ زنّاءُ
اعْذُرْ لساني في بياني إنّني
مداحُ أزمانِ الهُدى هَجّاءُ
أنا ما أَسأتُ إلى الزمانِ وإنّما
أهْلُ الزمانِ إلى الزمانِ أساؤوا
بصفاتِهِمْ قالُ الإمامُ صحائف
تاهتْ بسرِّ بيانِها الفُصحاءُ
يا سيّدي ما قلتَ إلاَّ صادقاً
والحكمُ حُكْمُكَ والقضاءُ قضاءُ
أنتَ اليقينُ بمهجةٍ صوفيّةٍ
ومِنَ اليقينِ تنزّلَ الإيماءُ
لولا دراريكَ التي في خافقي
ما كانَ يحسدُني بها الشعراءُ
عَرَبٌ وتُقسمُ أمّةٌ عربيّةٌ
إنَّ الأعاربَ فيهمُ الُّلقطاءُ
عَرَبٌ ولكنْ من دماءِ تَصهينٍ
وبملءِ صوتي إنّكمْ عُملاءُ
ومحمَّدُ الوهّابُ صارَ نبيُّكُمْ
ومِنَ الكِنيستِ جاءَهَ الإيحاءُ
خلفاؤكُمُ لا الراشدونَ وإنّما
خلفاءُكُم بكنيسهِمْ حُلفاءُ
أنكرتمُ المعراجَ آنَ عرُوجهِ
فتأوَّهُ المعراجُ والإسْراءُ
دنَّستمُ مَهَدَ المسيحِ ونَخلةً
فمتى ستورقُ نخلةٌ خضراءُ
صرخَ الزمانُ على مآذنِ أمّةٍ
أنا منكُمُ قبلَ الزمانِ بَراءُ
لولا الشآمُ ومهدُ كلِّ رسالةٍ
لخرجتُ مِنْ زمني وحلَّ بلاءُ
لولا الشآمُ وآدمٌ في تربها
ثاوٍ ودحيةُ للهُدى الإيحاءُ
وسليلُ حافظَ حافظٌ لهُويَّتي
ورجالُهُ الأبطالُ والخُلصاءُ
لجعلتُ عاليها بأسْفلِ قاعِها
وبكى على بأْسائِها البؤساءُ
د. مالك كامل الرفاعي