أطفال سورية يواجهون بالسلام: «إنجاز» و«أبناء الشمس» نهجاً
رولا عثمان
بالرغم من قسوة الحرب، والدمار الهائل الذي لم يترك لا حجراً، ولا قلباً إلا وأبكاه، تاهت الكلمات أمام ما حصل، ويحصل كلّ يوم في بلد عرف عبر العصور أنه للحب والأمان عنوان. شعارات لم يبق منها إلا الأمل البسيط في قلوب الكبار قبل الصغار، فالتكلفة الإنسانية لما يجري في سورية باهظة الأثمان، ضحيتها الأطفال، سواء الموجودون داخل سورية، أو اللاجئون في الدول المجاورة، فالحرب قضت على مقومات الحياة الطبيعية، وأصبح الأطفال مهدّدين بعدد من الأخطار: القتل، والتجنيد، والانقطاع عن الدراسة، والأمراض، كلها أثمان جاهزة لأن يدفعها الطفل السوري في كلّ لحظة من حياته.
وإذا ما قيس ذلك بما باتت قدرات الدولة السورية تملكه بعد أن انخفضت إمكاناتها بسبب تدمير البنى التحتية، والمدارس، والمستشفيات طوال خمس سنوات ونصف من الصراع الشرس، ففاقم ذلك من معاناة الأطفال المهجرين، وصعبت ظروف معيشتهم، وضاقت خياراتهم الحياتية، ودفعت بقسم منهم إلى العمل بسن مبكرة، إضافة إلى الصعوبات النفسية من الدمار، وفقدان الأهل، والأحبة، والتشرّد، والنوم على الأرصفة في مهاجرهم، وغرقهم في زوارق التهجير…
الدولة السورية تقوم بكلّ إمكاناتها لاستيعاب الأطفال بدعمها مبادرات شخصية، أو حكومية، أو مشتركة مع المنظمات الدولية، وكذلك الجهود الفردية التطوعية من أجل تغيير الواقع إلى الأفضل. فالحياة من حقهم بعيداً عن رائحة الدم، والدمار، وكذلك تأمين السكن البديل للمهجرين من الأماكن المتضرّرة.
من هذه المبادرات الفردية المهمة كان فريق «إنجاز» الذي يعتبر حلماً فنياً ابتدأ منذ عشر سنوات لتقديم التدريب المسرحي الشمولي التقنيات للأطفال، تحدث مدرّبه سعيد سلام عن مبادرة «إنجاز» مبتدئاً بشعار الفرقة: «النيات الطيبة تصنع المعجزات»، أما رسالتنا فهي مساعدة الأطفال على رسم مستقبلهم، وتزويدهم بمهارات الحياة. على الصعيد الفني. شعارنا الطفل يجب أن يمثل للطفل فهو أدرى بمشاكله وهمومه».
هدف «إنجاز» تدريب الأطفال على التمثيل، وأهميته، وبنظر سلام، «يبرز هذا الهدف في زرع القيم الإنسانية في الطفل، ويساعد في تنشيط القدرات الفكرية عنده، ويطلق خياله، كما أنه عامل مهم لدفعه إلى التعبير بشكل جيد، وكي يكون قادراً على الإلقاء، والفصاحة إضافة إلى بث روح النكتة والفرح بين أصدقائه».
سلام يلحظ أيضاً أنّ «بعض الأطفال الذين خضعوا للتدريبات شاركوا في مسلسلات وأفلام، حيث أصبح للطفل قرار درامي، ومتميّز بمسؤوليته وتعاونه أمام المخرج».
«صديقي في أزمتي» أيضاً مبادرة أقامتها «جمعية حياة أفضل» تدعو إلى وجود الطفل بين ألعابه، وفي مدرسته، وليس في الشارع، وتضمّنت المبادرة التي أقيمت في منطقة بيادر نادر بريف دمشق – التي كانت تحت سيطرة المسلحين، وتمّ تحريرها – عروضاً مسرحية للأطفال المشاركين، ورقصات شعبية، وأغانٍ وطنية ساهمت إلى حدّ كبير في جذب الأطفال المتسوّلين بالاتفاق مع الأهالي، ونزعهم من الشارع وإدخالهم في أجواء أفضل.
كذلك فإنّ «حملة أبناء الشمس» من المبادرات المهمة على مستوى سورية، وقد تضافرت من خلالها الجهود بين وزارة التربية والتعليم العالي، والشبيبة، والطلائع لدعم أبناء الشهداء، والجرحى ثقافياً، ومعرفياً، وتنموياً، وفنياً من خلال تقديم دروس مجانية على أيدي مدرّسين، وأساتذة متطوّعين في مجالات الرسم، والموسيقى، والرياضة، والمعلوماتية، بالإضافة إلى أنشطة الدعم النفسي، واللغات في سبع محافظات سورية، فلقيت ترحيباً واسعاً من الكثير من الأطفال.
مروان، 11 سنة، من حلب هجّر إلى طرطوس، وأقام في مركز الإيواء مع أمه بعد أن «سقط صاروخ في بيتنا» كما يقول، «كنت أسمع أصوات الصراخ. استيقظت في المشفى، وأمي إلى جانبي تبكي. صحيح أنني فقدت قدمي، لكنني سأكمل حياتي، والآن أدرس الموسيقى، وفي كلّ يوم نردّد: «سمعني موسيقى، ما عاد بدي اسمع صوت التفجير، ولا أزيز الرصاص، بس موسيقى.. دق علّي الصوت سمع كلّ البشر.. نحنا السلام نحنا».
كانت ضحكته ترافق حديثه. ضحكة قادرة أن تمسح كلّ بشاعة الحرب التي نعيشها، سببها لعبة أمم تدّعي الخوف على أطفالنا، وتتباكى عليهم. رفاقه إلى جانبه، منهم مَن فقد أباً أو أخاً أو صديقاً يتشاركون السكن، وكلّ منهم ترك ذكريات، وألعاباً، وضحكات في بيت أضحى خراباً، أو سيطرت عليه المجموعات المسلحة.
يضيع اختلاف الليل والنهار، وينسى كلّ شيء مع تطاول المأساة، وتزايد الضحايا من الأطفال. لم تعُد البراءة كما كانت من قبل. أطفال كبروا قبل أوانهم، أبعدت عنهم ألعابهم قسراً، وقطعت حبال أراجيحهم، ولم تعُد بمتناولهم، فتحوّلت حلماً للكثيرين منهم.
بات الركام ملعبهم، وساح طفولتهم، وعلى أصوات التفجيرات، ورائحة البارود، والدم يكملون، علّهم يجدون فسحة أمل بغد أفضل، ووطن آمن كما كان في عهد آبائهم القائمين على المبادرات، والفعاليات، يحاولون جهدهم في مساعدة أطفال سورية ويقولون إنّ هذا واجبنا، لأجلهم نعمل، وسنستمر بكلّ إمكاناتنا لنعيد لهم حقهم بعيداً عن تشويه الحقائق.
أطفال سورية يليق بهم الفرح، ويستحقون الحياة مثلهم مثل كلّ أطفال العالم.
كاتبة سورية