لافروف لكيري: شرق حلب ليس أربيل
ناصر قنديل
– لو نجحت الجماعات المسلحة بالاحتفاظ بالكليات العسكرية ومعبر الراموسة، أو لو نجحت باستردادها بين جولتي لقاءات الوزيرين جون كيري وسيرغي لافروف خلال أسبوع، لكان التفاهم الأميركي الروسي قد أبصر النور. فالميدان هو الذي يقرّر التوازنات، وما تريده واشنطن موطأ قدم للجماعات المسلحة في حلب، تتم حمايته باتفاق سياسي وتحصينه كموقع مرجعي في التفاهمات، ويحظى بهذه الصفة بالحماية الدولية من الاستهداف العسكري، وتوفر له خطوط إمداد تحت رقابة دولية، وربما يفكر الأميركيون بتشجيع قيادة جماعة الرياض على إعلانه مقراً رسمياً لهم وعنواناً لحكومتهم المؤقتة، ولهذا قام الجيش السوري بدعم روسي ومشاركة الحلفاء، عشية الجلسة التي كانت مقررة بين الرئيسين الأميركي والروسي في قمة العشرين، بتسريع عملياته العسكرية لاسترداد الكليات العسكرية وإقفال معبر الراموسة نهائيا، تمهيدا لاسترداده وإعادة فتحه، وإحكام طوق الحصار على الجماعات المسلحة في الأحياء الشرقية لحلب.
– التردّد الأميركي في مواصلة التفاوض كان ناجماً عن طبيعة المعلومات التي تردهم من الميدان والتي تقول بأن أي تفاوض لم يعد ممكناً أن يواصل من حيث توقفت مفاوضات الجولة الأخيرة حول وضع حلب العسكري، وأن الطاقة الهجومية لجبهة النصرة التي تعمل باسمها الجديد جيش فتح الشام قد استهلكت، وما عاد ممكناً ترميمها والرهان على تحقيق أي إنجاز يسهم بفك الحصار عسكرياً عن الأحياء الشرقية، وخلال أيام تصرف الأميركيون بغضب ويأس لفقدان مشروعهم الذي راهنوا عليه كثيراً، حتى اقاموا الاستعدادات لمعاملة شرق حلب كأنها أربيل، لجهة نقل وحدات أميركية أمنية وتقل شركات خدمية وإعلامية لمعداتها ومقدراتها وإيجاد بعثة دبلوماسية لاتخاذها مقرا لقيادة العمل المستقبلي في سورية، وبسقوط الحلم افترض البعض في واشنطن أن لا جدوى من مواصلة التفاوض كما قالت البيانات الأميركية، وفقدان الأمل من التوصل لتفاهم كان يعني فقدان الأمل من إعادة الحياة للحلم الذي سقط بسقوط الراموسة. لكن تسارع المعلومات الميدانية عن تهاوي مواقع النصرة وانهيار جبهاتها في جنوب حلب، أيقظ الأميركيين لضرورة العودة لمحاولة منع المزيد من الانهيار، واستغاثات الجماعات المسلحة طلبا لوقف النار وفك الحصار، منعا لانخراطهم في تسويات محلية كتلك التي شهدتها داريا وتشهدها المعضمية، أعادا لكيري تفويض الذهاب إلى جنيف، لكن لمحاولة الحفاظ على خصوصية محصنة لأحياء حلب الشرقية، وتوفير حماية دولية سياسية وإذا امكن أمنية، وضمان فك الحصار عن مسلحيها، وبالمقابل إبداء استعداد لترجمة الشراكة بالحرب على جبهة النصرة التي فقدت أهميتها مع خسارة قدرتها على تغيير الوضع في حلب، كما قالت الغارة الأميركية التي استهدفت قادتها والتي قالت للروس نحن جاهزون للأكثر، ولا نريد إلا ان تتركوا لنا موطأ قدم في حلب.
– التفاهم الروسي السوري الإيراني على أهمية حلب، قطع الطريق على تصوير خصوصية معينة لشرق حلب كجائزة ترضية تحفظ ماء الوجه لمعارضة يجب جلبها للحل السياسي، كما حاول الأميركيون تسويق مطلبهم بالخصوصية، وخلال أكثر من عشر ساعات بقي الموقف الروسي ثابتاً بأن لا جوائز ترضية على حساب السيادة السورية، بل فك حصار عن المدنيين وتسهيل لعمليات الإغاثة، ضمن حلول فردية للمسلحين، بين مَن يريد الخروج ومَن يرتضي تسوية وضعه مع الدولة وأجهزتها، ولا يزال الميدان صاحب الكلمة الفصل في المفاوضات. وكما انخفض السقف الأميركي، على قاعدة لا بديل عن التفاهم إلا التفاهم، سينخفض أكثر كلما سجل الميدان المزيد من الانتصارات للجيش السوري وحلفائه، وكلما ارتفع صراخ الجماعات المسلحة طلباً لحل سريع.
– مفاوضات ماراتونية مستمرة على إيقاع الحرب الماراتونية المستمرة، والنصر في كل من المسارين يسرع النصر في الآخر.