سمر أبو خليل… مختلفة تنتمي إلى مدرسة متّزنة غابت عن الإعلام
جهاد أيوب
ثاقبة، هادئة، واثقة، سريعة البديهة، حاضرة في ردّ الحوار، ناعمة لكنها لا تنكسر. هي إعلامية مذيعة مقدّمة نشرات الأخبار من دون تكلّف، تدعى سمر أبو خليل.
سمر، من جميلات الشاشات العربية وتحديداً اللبنانية، من دون تصنّع أو تعمّد. لا تتصارع مع الأضواء في زمن كذبة الميديا، ولا تتخاصم مع ذاتها في زمن المنافسات غير الشريفة، ولا تتعمّد استعراض أدواتها كي تحصل على صراخ ضيوفها، وتعارك المفردات، وتحطيم الكراسي كي تصبح حديث الإعلام، ولا يهمها أن تضع زائرها في زاوية لا يحسد عليها من أجل شوشرات التواصل الاجتماعي، أو تناول اسمها برخص لا فائدة منه. هي تعلم ذوبان الزوبعة بسرعة استهلاكية لا تترك آثارها في ماء الحقيقة أو بما تبقى من حقيقة في إعلامنا.
مختلفة في طريقة الحضور أمام الكاميرا. لا ترتدي ما يزعج المشاهد، ولا تكثر من العري الجسدي رغم تمكّنها من تعرية ضيفها بهدوء بعيداً عن التعمّد، أو أنا هنا وأنت تكملة عدد. ثاقبة في احترامها كونها إعلامية تملك الكثير من أسرار الساسة وخصامات متصنّعة. لذلك تدرس ضيفها ومُحاوِرها ونقاط الضعف والقوة فتنطلق ثاقبة تصيب الهدف الذي ينتظره المشاهد التائه الحزين المنهك. وواثقة من أدواتها تعرف مدى قيمة الكرسي الذي تجلس عليه ومتى «تحركش» بمعلوماتها حتى تضع نقاط ضيفها على حروف حقيقة يتجمّل فيها، ويتكاذب عليها.
سمر في حواراتها تجدها سريعة البديهة إذا وقعت حادثة طارئة، أو فجّر ضيفها قنبلة سياسية ملغومة بمعلومة تحرّك جمود السياسة المحلية، وتردّ كمُحاوِرة الشيطان إذا صبّ مضيفها هجوماته على مَن يخالفونه الرأي فتسارع بتذكيره بما قاله سابقاً أو بتحالفات اللحظة المستجدة. لا تجامل على حساب المعلومة، ولا تقع أسيرة المصلحة الذاتية رغم حراستها سياسة قناتها من دون أن تتباهى بذلك. وبصراحة، في هذا المجال، تقترب من مدرسة الراحل خميرة الإعلام رياض شرارة.
ليّنة، هامسة وطرية، ومطواعة لا تعرف الخنوع، وحادة من دون تجريح أو ادّعاء بعضلات فارغة المضمون والقوة. قوية بأنها لا تبحث عن بطولات من رغوة الصابون بل تنبش عن «سكوب» يشار إليه وتتناقله المسؤولية. لذلك نجد ضيفها يختلف معها ويصبح إضافة، بينما مع بعض غيرها مجرّد ثرثار يحدّد سير الحلقة، ومعها بهدوء وبساطة مصحوبة بابتسامة غامزة مع ضحكة خبيثة تأخذ المحاور إلى نهاية سؤالها، وإلى حيث يرتاح ليدلو بدلوه المليء بمعلومة وبتصريح قد يسأل نفسه هل هو من قاله؟
غريب أمر قناة «الجديد» وغيرها من فضائيات في لبنان، إذ تفسح المجال لدخيلات الإعلام، وتبرزهن في برامج خاصة وهنّ لا يمتلكن ألف باء التقديم، ولا يعرفن أصول النطق أمام الميكروفون، وعلى خصام مع لغة الضاد، وهمهن ارتداء ما يشبه الملابس أمام كاميرا غبية تلتقط فضيحة الجسد وهبل الصوت وسذاجة الحوار، وخواء بكلة الموضوع. بعض فضائياتنا تتعمد ذلك الحضور، وتُبعد المذيعة الواعية والمثقفة، والباحثة عن الجديد في تقديم قيمة لا تقديم قمامة مع ضحكة من دون مناسبة. وسمر أبو خليل من الوجوه التي تحتاج إليها شاشاتنا وبرامجنا الحوارية اليوم وبثقة.
نعم، نحتاج إلى برنامج حواري لا عنصرية فيه، ولا ثرثرات فاقعة فارغة فاجرة تصيب الشارع بالفوبيا وبفقر الوطنية. نحتاج إلى برنامج يديره إعلاميّ ليس طرفاً أو منافقاً أو دجالاً أو محسوباً يزيد صراعاتنا السياسية والطائفية والمذهبية والحزبية والاجتماعية تشرذماً ودماء وانقساماً. نحتاج إلى برنامج فيه مذيع يحترم عقولنا ووطننا وما تبقى من وطنيتنا والإنسان فينا بعيداً عن تكاذب الموقف، وتسجيل النقاط، وراتب من تحت طاولة الوظيفة. نحتاج إلى برنامج مذيعه لا يعتمد على الإضاءة والبهرج والديكور العشوائي الملوّن بحجّة العصر، بل يعتمد عن المذيع المثقف الملمّ والواعي دورَه، وهذا موجود لدى قلّة قليلة من إعلاميينا، ومنهم سمر أبو خليل.
نعم، لماذا لا تنال سمر بعد هذا العمر في تجربتها، وبعد هذه الخبرة، وهذا الوقار وصولاً إلى إيمانها بالوطن ومقاومته، وأنّ الصهاينة هم العدو الحقيقي لأمتنا، البرنامج الحواري الهادف، وهي المشهود لها بالبساطة واحترام المربّع ومن يتابعه.
سمر لا تؤمن بتلميعات البرامج وتكلفتها المادية، مجرّد برنامج بسيط ومتواضع الإمكانيات المادية، وحرية الطرح والحوار واختيار المواضيع سترفعه سمر أبو خليل من خلال إدارتها له إلى المراتب الأولى… لماذا؟
السؤال هنا مشروع، والجواب يكمن في أننا تعبنا من برامج الفتنة ومذيعيها، والشحن الحزبي السياسي الطائفي، والدجل الوطني الممسوخ بحجة لعبة الميديا والفهلوة والشطارة العوجاء، والتسابق إلى الشتيمة وتكفير الآخر وطنياً ودينياً وفكرياً. كلّ هذا سمر أبو خليل تعرفه، تتململ منه لكثرة مشاهدتها له عند الآخرين، كل هذا تدركه سمر وهي تلعب على عكسه في مساحة ضيقة لكنها لافتة، ومن حقنا وحقها أن تكون لها مساحة أكبر كي تدلو بإعلام نظيف، أو بعضنا يجده الأنظف.
لا معرفة شخصية بيني وبين سمر، بل كتابة من ناقد مراقب ليس أكثر.