الجيش العربي السوري يثبّت الخطوط الحُمْر للدولة
شارل أبي نادر
قد تكون المسافة الجغرافية هي الأبعد في الميدان السوري ما بين الحسكة شمالاً والقنيطرة جنوباً، وقد تكون المسافة في الأهداف أيضاً هي الأبعد ما بين حركة بعض أكراد سورية الانفصاليين نحو الفدرالية شمالاً وحركة إرهابيّي النصرة وأحرار الشام في تثبيت حزام أمني صهيوني الهوى والتوجه جنوباً، ولكن تضيق المسافة جداً وتختفي بين الاثنين عند الدولة والنظام والجيش في سورية عندما يتعلق الأمر بتثبيت وحماية وصيانة وحدة سورية وسلامة أراضيها.
شمالاً، تفاجأت الأوساط الدولية والإقليمية وحتى الداخلية من الحزم والحسم لسلاح جو الجيش العربي السوري في تعامله بفعالية وقسوة مع محاولات وحدات حماية الشعب الكردي والأسايش عندما حاولت الأخيرة السيطرة على مواقع انتشار وحدات الجيش المذكور في مدينة الحسكة والسيطرة عليها، وايضاً عندما حاولت فصلها ميدانياً عن مواقعه الأخرى في القامشلي.
هذه المفاجأة أعلاه لم تكن من تدخّل القاذفات السورية التي لم تكن بعيدة أبداً عن ذلك الميدان طيلة فترة الاشتباكات والمعارك ضد داعش هناك، وحيث كانت طلعات هذه القاذفات حاسمة وفعالة لصالح وحداتها وأيضاً لصالح الوحدات الكردية المذكورة في معركة دحر وهزيمة التنظيم الإرهابي في الحسكة ومحيطها غرباً او جنوباً، بل جاءت المفاجأة من التدخل العنيف لتلك القاذفات في أماكن قريبة من تواجد المستشارين الاميركيين الذين يقدّمون خبرات ودعم للوحدات الكردية في معركتها المذكورة ضد داعش، وجاءت ايضاً المفاجأة صادمة من التدخل الواضح مع الإنذار الحاسم الذي وجّهه الطيارون السوريون لمقاتلات أميركية كانت قريبة من بقعة عمل القاذفات السورية في اجواء الاشتباكات الاخيرة، بوجوب الابتعاد وعدم التعرّض لعمل القاذفات السورية ومهمتها أو لمهمة وحدات قوى البرّ في الجيش العربي السوري في الميدان المذكور.
جنوباً، أيضاً تفاجأت هذه الأوساط الدولية والإقليمية المذكورة من الرسالة القاتلة التي وجّهتها أنظمة دفاع جوي سورية متطوّرة، أسقطت بواسطتها حسب المصادر السورية، أو كادت تسقط حسب مصادر العدو قاذفة اف 16 وطائرة بدون طيار «إسرائيليتين» بعد أن كانت تعمل على تغطية ودعم المسلحين الإرهابيين في محاولتهم اليائسة للسيطرة على أماكن ومواقع حيوية واستراتيجية ينتشر فيها الجيش العربي السوري وحلفاؤه في ريف القنيطرة الشمالي.
هذه المفاجأة أعلاه لم تكن من ثبوت امتلاك الجيش العربي السوري هذه المنظومة الصاروخية المتطورة، كما كانت تصرّح دائماً مصادر عسكرية ورسمية سورية مأذون لها بذلك، والتي تعاملت بفعالية لافتة من خلال رصد أكيد وتتبع دقيق وإطلاق ناجح مع أحدث المقاتلات القاذفة الأميركية تطوراً التي يمتلكها سلاح جو العدو، بل المفاجأة الكبرى جاءت لا بل الصدمة كانت في القرار الحاسم والجريء والواضح في استعمال هذه المنظومة الاستراتيجية بمواجهة القاذفات «الإسرائيلية» مع كامل الاستعداد لأية تداعيات أو مضاعفات مهما كانت نتيجتها، والتي لن تكون حتماً بأقل من معركة واسعة من ضمن حرب شاملة لمحور المقاومة والجيش العربي السوري بمواجهة العدو «الإسرائيلي».
طبعاً، لم تكن القيادة السورية وفي الحالتين المذكورتين أعلاه بعيدة عن احتمالات الاشتباك المباشر مع القاذفات الأميركية شمالاً في الحسكة، أو لم تكن غائبة او غير مدركة للاحتمالات القوية لحرب واسعة مع العدو «الإسرائيلي» جنوباً وربما أبعد، فهذا الموضوع هو من أبسط قواعد دراسة القرار وتحليل تداعياته ومضاعفاته، وخاصة في ظل العدوان الأميركي الواضح شمالاً والعدوان «الإسرائيلي» الدائم جنوباً، فهي تنتظر حتماً المعركة الواسعة والحرب الشاملة وتأخذها من ضمن الاحتمالات الواردة وبقوة، ولكن ما حرّك قاذفاتها شمالاً وصواريخها جنوباً هو ذلك الشعور القوي بالخطر الداهم الذي رأته يقترب من وحدة وسلامة الأراضي السورية والذي ظهر أنه وبنظر قيادتها العنيدة يفوق كثيراً الخطر الداخلي الذي شكله الإرهابيون وداعموهم المجرمون، ذلك لأن هؤلاء هم الآن على وشك الاستسلام والانسحاب مكرهين بعد الهزائم والصدمات التي تعرّضوا لها في الميدان، وبعد ثبوت المعادلات الدولية حول ضرورة حماية وصيانة الدولة والجيش في سورية اقلّه للوقوف بوجه الإرهاب الذي بدأ يضرب مجتمعات ودول هؤلاء الداعمين.
في النهاية… إنها معادلة الرد على كل اعتداء. إنها معادلة المقاومة التي أثبتت جدواها وأحقيتها وثباتها وفعاليتها. إنها معادلة الذهاب بعيداً في مواجهة كل خطر يتهدد وحدة الوطن وسلامة أراضيه مهما كانت احتمالات الخطر والحرب واردة، إنها معادلة الخط الأحمر الذي لا يمكن تجاوزه، إنها معادلة السيادة والحق والواجب…