من وضع حداً للخلافات الخليجية؟
حميدي العبدالله
ثمة انطباع أشاعته تصريحات المسؤولين والإعلام في الدول الخليجية بأنّ الخلافات الخليجية التي أدّت إلى سحب السفراء من قطر قد انتهت، فهل فعلاً قد انتهت هذه الخلافات، وكيف ومَن هي الجهة التي لعبت الدور الحاسم في وضع حدّ لها؟
مجرّد أن تعلن الحكومات المعنية بأنّ الخلافات قد انتهت، حتى وإنْ لم يعد السفراء إلى قطر، فهذا يعني أنّ هناك نية جدية لتجاوز هذه الخلافات، لكن مَ لديه مفتاح وضع حدّ لهذه الخلافات، ويملك قوة التأثير على الحكومات الخليجية لوقف خلافاتها، بمعزل عما إذا تحققت مطالب هذا الطرف أو ذاك أم لا، بكلّ تأكيد هذا الطرف هو الولايات المتحدة. فمن المعروف أنّ مطالب السعودية وحلفائها الخليجيّين لم تتحقق، فلم يتمّ إغلاق قناة «الجزيرة»، ولم تتخلّ قطر عن استضافة القرضاوي وجماعة «الإخوان المسلمين»، ولم تعد النظر بسياستها إزاء مصر وهجومها الإعلامي المتواصل ضدّ الرئيس عبدالفتاح السيسي والنظام المصري الحالي، ومع ذلك فإنّ ثمة انطباع بأنّ أوامر ما صدرت لطيّ صفحة الخلافات، ووضع حدّ للمطالب التي بعضها لا توافق عليه الولايات المتحدة ذاتها، وتحديداً مطلب قطع العلاقة مع «الإخوان المسلمين»، أو الالتزام بسياسة السعودية إزاء إيران طالما أنّ الولايات المتحدة ذاتها تريد قناة ما بينها وبين إيران غير القناة العُمانية أو قناة 5+1 المعنية ببحث ملف إيران النووي.
في ضوء ما تقدّم ما الذي دفع الولايات المتحدة إلى حثّ حلفائها الخليجيّين، إنْ لم يكن إصدار الأوامر لهم، لوضع حدّ لخلافاتهم الآن وعلى وجه السرعة. لا شك أنّ ثمة حسابات سياسية هي التي دفعت الولايات المتحدة للعمل بهذا الاتجاه.
أولى هذه الحسابات القناعة لدى الإدارة الأميركية والنخبة الحاكمة في الولايات المتحدة بأنّ هذه الخلافات باتت تؤثر على تماسك وفعالية وهيبة حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وهذا يصبّ في مصلحة مناهضي السياسة الأميركية في المنطقة إلى أيّ معسكر انتمى هؤلاء المناهضون، في هذا السياق كتب «سايمون هندرسون» مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في «معهد واشنطن» في تقدير موقف موجه لصانعي القرار في الولايات المتحدة يقول فيه: «بالنسبة إلى واشنطن قد يؤثر حجم الخلافات بين دول الخليج على قدرة الجيش الأميركي على العمل في منطقة الخليج العربي، حيث أنّ المسؤوليات المتعلقة باتخاذ إجراءات ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش قد تمّت إضافتها إلى حماية الممرات المائية وردع التآمر الإيراني».
ويخلص هندرسون إلى «أنّ هذه القضايا يقصد قضايا الخلاف بين قطر والسعودية تصرف نظر دول المجلس عن محاولة تشكيل جبهة مشتركة ضدّ المغامرات الإيرانية».
ثاني هذه الحسابات، تولّد قناعة لدى الولايات المتحدة بأنّ ما يجري في اليمن، وخروج «داعش» عن السيطرة، والحاجة إلى تعاون مع إيران ضدّ «داعش» في العراق قد يرسّخ النفوذ الإيراني في بلاد الرافدين، وهو ما يصفه هندرسون «بالمغامرات الإيرانية» كلّ ذلك ولّد مصلحة أميركية بوضع حدّ للخلاف الخليجي، لأنّ نفوذ الولايات المتحدة لم يعد في وضع يسمح له بترف توزيع الأدوار في إطار سياسة تنويع أساليب الاحتواء التي اعتمدتها واشنطن في السنوات الماضية، لهذا أصدرت أوامر صارمة بوضع حدّ للخلاف.