هل «تُعبِّد» غارات دير الزور الطريق لغرفة التنسيق الأميركية – الروسية؟
روزانا رمَّال
تتحدث المعلومات في واشنطن عن تناقض واضح بين موقف البيت الأبيض والبنتاغون، أيّ وزارة الدفاع الأميركية، من مسألة التفاهم الأميركي الروسي في سورية، بمناسبة الغارات الأميركية الأخيرة بدير الزور على الجيش السوري ما يحتم العودة الى ما يمنحه الدستور الأميركي للرئيس من صلاحيات والعودة أيضاً الى نوعية الاشتباك وقدرة تأثير البنتاغون في نسف ما يقدم عليه الرئيس من معاهدات خارجية واتفاقات وهو ما ليس موجوداً في الحالة السورية هذه.
ليس ممكناً اعتبار دور المؤسسة العسكرية الأميركية بالقانون الأميركي جهة قادرة على التدخل بقرارات الرئيس ونقضها، فالجهة الوحيدة القادرة على ذلك هي الكونغرس. تؤكد المادة الثانية بالدستور الأميركي أن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ويملك صلاحية قرار ووقف تنفيذ عقوبات والعفو وبإمكانه إبرام معاهدات شرط استشارة مجلس الشيوخ والحصول على موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ الحاضرين، وعلى هذا الأساس فإن التفاهم الأميركي الروسي الذي يعتبر «تفاهماً سياسياً» لا يوضع ضمن دائرة قرارات البنتاغون كتفوق بقدرة الابطال، لكن دون ان ينفي القدرة على التشويش عليه دون رده او نقضه هذا مع العلم ان هذا التفاهم لم يكن موضع تصويت حتى الساعة في أي من مجلسي الكونغرس والشيوخ. وهناك ما يشرح ما هو ابعد منه وهو احد العناصر التي ادت الى ترحيب اللاعبين الإقليميين خصوصاً السعودية بالاتفاق، وهو نية الرئيس الأميركي التوجه نحو نقض مشروع القرار الذي صوّت عليه مجلس الشيوخ والكونغرس معا والذي يسمح لعائلات ضحايا اعتداءات 11 أيلول/ سبتمبر بمقاضاة الدول المعنية الأجنبية خصوصاً السعودية وهو القرار الذي يوضع تحت الشبهة توقيتاً وظرفاً.
يقول أوباما إنه سيعارض موقف الكونغرس ويقف بجانب السعودية ويعرف انّ ثمن هذا دفعته الرياض مسبقاً بتأييدها اتفاق الهدنة مع روسيا في سورية وترحيبها به وتطلعها المرتقِب نجاحَه كأول تعبير بعد الإعلان عنه وهو أول تصريح للمملكة العربية السعودية الذي يعطي فيه لموسكو دوراً سياسياً وليس تخريبياً لصالح النظام كما ساد لسنوات طويلة. وعلى هذا الأساس تتضح نيات أوباما بالتمسك بهذا التفاهم ويتضح معها استعداده لمواجهة ما يُحاك في بلاده لإفشال المهمة إن كان في وزارة الدفاع او غيرها.
تزداد قوة الرئيس الأميركي يوماً بعد الآخر منذ تأسيس الولايات المتحدة الأميركية، وهو المسؤول إلى حدّ كبير عن إملاء جدول الأعمال التشريعية في حزبه والسياسة الخارجية والداخلية للولايات المتحدة. وهنا فإنّ غالباً ما يتمّ وصف رئيس الولايات المتحدة في العصر الحديث بأنه الشخص الأكثر نفوذاً في العالم!
يؤكد ذلك أنّ «المعركة السياسية» التي يفتحها التفاهم مع روسيا لا يُمنح للبنتاغون مهما كانت خلفيات «تشويشه» عليه دوراً «نافذاً» بوجه الرئيس، فهو لا يعالج هنا مسألة «دخول» قواته في حرب ولا يناقش حتى «انسحابه» من بقعة معينة حتى أنّ ايّ انسحاب على سبيل المثال في حالتي العراق او أفغانستان أتى «قراراً سياسياً» فسّر الاجتياحين وقرارات الرئيس بوش.
المرحلة السياسية مستمرة في سورية بفارق التعبير بكلمة «هدنة عسكرية» التي لم تترجم بالمعنى النهائي، فالتعبير الأوفى هو بقاء «الاتفاق» الأميركي الروسي، واستمرار ما أعلنته النيات وبنود التفاهم، والغارات التي شنّتها الطائرات الأميركية التابعة للتحالف الدولي ليست مؤشراً على انهياره وليست مؤشراً على انهيار الرغبة الأميركية الروسية بالشراكة في سورية. يلفت موقف وزارة الدفاع الأميركية الأولي الذي اكد انّ هناك احتمالاً أن يكون قد حدث خطأ ما واصفة الجيش السوري بالقوات «المعروفة» التي لم تقصد استهدافها من دون استخدام عبارات مستفزة في وصفها للقوات السورية، كما كانت اللغة الأميركية سابقاً كاشفة عن رغبة بعدم التصعيد ومقترحة التحقيق.
الكلام الأميركي المعروف والتهم المتبادلة وما تكشفه التسريبات من نيات وزارة الدفاع الأميركية نسف الاتفاق وحجم العمل الخطير الذي قام به الجيش الأميركي، إذا كان «مقصوداً» أو «غير مقصود»، يضع سورية وروسيا بموقع التفوق، الأولى في موقع الردّ المشروع بالطريقة المناسبة والثانية بموقع التصويب على عدم مصداقية واشنطن لا بل الشروع في إطلاق أقصى التهم والتصريحات من الخارجية تارة والمسؤولين الروس تارة أخرى، مثل أن تقول روسيا إنها اكتشفت شيئاً «مرعباً» بعد الغارات وهو انّ أميركا تتواطأ مع داعش، وهو ما ليس مقبولاً بالنسبة للرأي العام الدولي والمحلي الأميركي بطبيعة الحال، وبالنسبة لهذه الادارة الديمقراطية المقبلة على انتخابات رئاسية.
يبقى الأبرز من بين التصريحات الروسية بعد الغارات اعتبار روسيا أن الذي جرى ليس الا نتيجة «التعنت» الأميركي وعدم التنسيق على الأرض وهي ردّت على فرضية الخطأ الأميركي بشكل او بآخر. الغرفة الأمنية المشتركة هي أحد بنود الاتفاق الروسي الأميركي لكن إنشاءها والاعلان عنها دون مبرر او دافع كبير كالذي جرى يفتح الطريق بشكل ضروري امامها صعب جداً على دولة بحجم أميركا في المنطقة، فمسألة المشاركة مع روسيا وهي قائد الحلف الاطلسي تشكل انهزاماً من نوع جديد لم تعتد عليه واشنطن. فتحت غارات دير الزور العيون على كشف النيات الأميركية وعبّدت الطريق للإعلان عن غرفة عمليات مشتركة أميركية روسية في سورية لمكافحة الارهاب في الاسابيع المقبلة.