ليبيا: مأساة ومعاناة لا ينهيها إلا التوافق الوطني
هشام الهبيشان
ما تزال الأحداث غير المستجدة في جنوب شرق وشرق ليبيا، وتحديداً في سرت وما حولها، تلقي مزيداً من الأعباء على الواقع الليبي المضطرب. فهذه الأحداث، أضافت لهذا الواقع واقعاً جديداً. فالمشهد الليبي المعاش، بمجموعه وبكلّ تجلياته المؤلمة والمأساوية، التي ما زالت حاضرة منذ خمسة أعوام تقريباً، توحي بحجم المأساة والواقع الجديد الذي فرض على الشعب الليبي، من قبل أطراف العدوان: «الناتو» وحلفائه من العرب، بعد الحرب التي استهدفت ليبيا، كلّ ليبيا، التي تسترت بشعار «دعم الثورة» لإسقاط نظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، لتحقيق مصالحها وغاياتها في ليبيا والمنطقة.
اليوم، يبدو واضحاً لجميع المتابعين للحالة الليبية، أنّ الشعب الليبي بدأ يدرك حجم المأساة والكارثة التي أدخلت فيها ليبيا الجغرافيا والانسان. وأدرك كذلك ولو متأخراً، الاهداف الحقيقية لأطراف العدوان، التي أوصلت ليبيا إلى هذه الحالة المعاشة اليوم. وبهذه المرحلة، لا يمكن لأيّ متابع أن ينكر حجم المأساة التي يعيشها الشعب الليبي، منذ إسقاط أطراف العدوان الخارجي سلطة القذافي. فهذه المأساة تتجلى تفاصيلها اليوم، بواقع معيشي صعب يعيشه الليبيون، وسط تمدّد الميليشيات المسلحة وسطوتها على مفاصل صنع القرار في المدن الليبية، رغم الحديث عن توافقات حول حكومة السراج. إضافة لإنعدام، شبه كامل، للأمن في معظم مناطق الجغرافيا الليبية.
هنا، يمكن القول، أنه بات من الواضح أنّ مسارات الحلول السياسية وتحديداً منذ مطلع العام الحالي، نعتها مسارات ومشاريع الحلول العسكرية لأطراف العدوان على ليبيا، الداعمة، على الأرض، للقوى المتصارعة على الساحة الليبية. فقد عشنا، منذ مطلع العام الحالي تحديداً، على تطورات دراماتيكية «دموية« عاشتها الدولة الليبية، من شمالها إلى جنوبها ومن غربها إلى شرقها. والواضح، أنها ستمتدّ على امتداد أيام هذا العام. فقد اشتعلت جبهات عدة على امتداد الجغرافيا الليبية، بشكل سريع ومفاجئ جداً، في ظلّ دخول متغيّرات وعوامل جديدة وفرض واقع وايقاع جديدين، للخريطة العسكرية الليبية. خصوصاً بعد تمدّد القوى المتطرفة المدعومة خارجياً، بشكل واسع في مناطق شرق وجنوب شرق ليبيا.
ختاماً، يمكن القول أنّ المشهد الليبي يزداد تعقيداً، مع مرور الأيام. والأحداث والتطورات تتجه، مستقبلاً، لمزيد من التصعيد. والتطورات الخطرة، قد تطيح بليبيا الدولة وتحوّلها إلى إمارات وأقاليم وولايات متناحرة ومتصارعة، في ما بينها. المرحلة المقبلة سيدفع فيها الليبيون» كلّ الليبيين، ضريبة دعمهم أو حيادهم، أو صمتهم، على مشروع معاد أسقط ليبيا، كلّ ليبيا، بنار الفوضى. والحلّ الوحيد للخروج من الأزمة الحالية الليبية، هو إعادة بناء وتشكيل نموذج وطني ليبي، يمثل كلّ أطياف القوى الوطنية الليبية وعلى رأسها القوى الوطنية التي تمثل نظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، التي ما زالت تحظى، للآن، بثقل شعبي ليبي كبير، رغم حالة التعتيم الإعلامي عليها، للمشاركة بمشروع بناء ليبيا. وهذا بدوره سيكون له أثر إيجابي لتفعيل الحلول الوطنية الليبية التوافقية، الخاصة بوضع حدّ للمأساة الليبية.