التفاهم الروسي الأميركي: هل من خطة «ب»؟
ناصر قنديل
– غامر الأميركيون باللعب على حافة الهاوية. وهي اللعبة التي قال وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر إنها لعبة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، والتي تبدو اليوم خطة الرئيس بشار الأسد، فتحوّلت الاندفاعات الأميركية نحو الحافة منصات لاندفاعات أبعد تتخذ طابع التحدي وتطرح السؤال، هل من مزيد؟
– يمكن بسهولة تخيّل الابتسامة الصفراء لوزير الخارجية الأميركي كشريك يجري تحميله مسؤولية التفريط بهيبة أميركا من خصومه المحليين الذين يتصدّرهم وزير الدفاع آشتون كارتر ومعه حلفاء واشنطن التقليديون من السعودية و«إسرائيل» خصوصاً، والفصائل المسلحة، الذين يجمعون، دون التصريح علناً، على أنّ إنهاء جبهة النصرة يعني نهاية ما أسموه ذات يوم بـ «الثورة السورية»، وهو يراقب ما يجري. فيقف اليوم ليتبنى خطاب معارضيه بتحميل روسيا وسورية مسؤولية ما يجري، وانهيار الهدنة وفشل تطبيقها. يضيف مزايداً على منافسيه وخصومه أنّ سورية تتحمّل مسؤولية ما جرى في دير الزور.
– يعلم كيري أنّ سورية فتحت مجال التطبيق للتفاهم عبر تطبيق ما يتعلق بها لأسبوع كامل كوقف عملي لهجمات جيشها ووقف نيرانها الهجومية وحصرها بحدود ضيقة بأعمال الردّ الموضعي، أو حيث يدور القتال مع جبهة النصرة كحال جبهات القنيطرة، أو داعش كجبهات تدمر ودير الزور، كما يعلم كيري أنّ تعثر إدخال المساعدات تمّ بسبب الشروط التي استدعت شروطاً مضادة. والأمر يتصل من زاوية سورية بمنع أيّ استفادة للجماعات المسلحة من المساعدات، ومنعها من السيطرة عليها. والأمر الأهمّ كان بالنسبة لسورية اختبار النيات الأميركية بجدية السير بالتعاون للحرب على النصرة، وإذ الغارات الأميركية تستهدف الجيش السوري في دير الزور لتسهيل الهجمات التي تستهدف الجيش من جانب داعش، ما يعني أنّ التلويح الأميركي بتجميد التفاهم، أو محاولة منحه معاني مختلفة عبر التطبيق الانتقائي بات يستدعي الإعلان السوري عن نهاية الهدنة مع حلول موعد البدء بالعمل المشترك ضدّ النصرة دون أيّ مؤشرات على إمكانية تحقق ذلك.
– يقف كيري يتساءل ناظراً إلى الداخل الأميركي وإلى الخارج الحليف، ها قد صرنا بين خيارين: دفن التفاهم أو إنعاشه بشروط أصعب، فماذا تريدون أنا جاهز وفي خدمتكم؟ وهذه المرة لن أمنحكم فرصة اتهامي بالتهاون، أنتظر أجوبتكم لأقوم بالخطوة الثانية! ويكمل كيري، ألديكم خطة «ب» إنْ سقط التفاهم، ليأتيه الجواب، نريد التمسك بالهدنة وإحياءها، فيعود ليعلن دعوة اللجان الروسية الأميركية المشتركة لمواصلة جهودها لإحياء الهدنة ومفاعيل التعاون وفقاً للتفاهم.
– العودة إلى ما قبل التفاهم تعني العودة إلى معادلة يمسك الجيش السوري فيها بزمام المبادرة العسكرية، وتعني أنّ الجماعات المسلحة ستدفع أثماناً باهظة في كلّ اتجاه، وأنّ جبهات مثل شرق حلب قد تنهار وتعرف مصيراً شبيهاً بالكثير من المناطق التي أنتجت تسويات محلية مع الدولة، وأنّ جبهات القنيطرة ستشهد تصعيداً لن يتمكن الإسرائيلي من مجاراة سورية بسقفه الجاهز للذهاب إلى أيّ مواجهة، والحرب هنا صواريخ، وتتكفّل باستنهاض لا يريد له لا الأميركيون ولا حلفاؤهم أن يتمّ، والعودة إلى ما قبل التفاهم أنّ المغريات بضرب الشريط الكردي قادرة على التكفل بجذب الأتراك مرة أخرى، كما جذبتهم من قبل لتموضع أقرب، فهل يتحمّل الأميركيون اختباراً جديداً؟ وهل لديهم خطة «ب» فعلاً؟
– واشنطن لا تملك وقتاً، ولا تملك قدرة الذهاب إلى حرب، وتحتاج هذا التفاهم كمقدمة لتفاهمات ترسم الأدوار في البرّ الآسيوي المطلّ على المتوسط، من تلاقي روسيا والصين وإيران عبر أفغانستان منذ مطلع العام المقبل ورحيل القوات الأميركية منها. وفي قلب هذه الأدوار حيث يتيح وجود إيران وتتيح إطلالتها على الخليح وتواصلها عبر العراق فسورية مع المتوسط، مستقبل كلّ من أزمتي سورية واليمن، ومن دون ذلك يصير على الأميركيين الاختيار بين ارتضاء الخروج من آسيا، وما يعنيه من معادلات دولية تجعلها دولة من الصف الثاني، أو تأجيل الانسحاب من أفغانستان لعامين إضافيين، أيّ إلى نهاية العام 2018، وارتضاء حروب مفتوحة على فرضيات الخسائر حتى ذلك التاريخ وتمكن الرئيس الجديد من أخذ القرارات والتحرك نحو مواجهات أوسع أو تسويات أشدّ قسوة؟
– إنْ قرّر الأميركيون ذلك فسيكون الندم رفيق دربهم على توقيع التفاهم على الملف النووي مع إيران، لأنه الملف المحوري في معادلات آسيا، والعنوان الأهمّ لحشد الحلفاء والرأي العام الأميركي للمواجهات. وقد أحبط التفاهم هذه الفرص جميعاً، وسيصير على أعضاء فريق المرشحة الرئاسية الديمقراطية الذين يقودون التصعيد اليوم، والذين يدعمون وزير الدفاع الحالي آشتون كارتر، أن يتساءلوا ما إذا كان عليهم الانتقال إلى ضفة دعم المرشح الجمهوري دونالد ترامب باعتباره صاحب الدعوة لإلغاء التفاهم على الملف النووي، ويستطيع ربط خطط التصعيد بعضها ببعض من دون أن يتلعثم، لأنه ينطلق من معادلة صفرية في النظر للتفاهمات. فهل هذه هي الخطة «ب» ترامب وتأجيل الانسحاب من أفغانستان التي يسعى إليها الجمهوري وزير الدفاع في عهد الديمقراطي باراك أوباما، المنضوي في فريق المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون؟ أم هو صراخ سيتلاشى مع اختبار الحقيقة المرة، وهي أنّ الذي شاخ وفقد قدرة المبادرة والذهاب للحروب وتعديل التوازنات هي أميركا وليست إدارة أوباما فقط، التي جاءت على أنقاض خطط حرب الجمهوريين التي مثّلها في أشدّ مظاهرها ولحظاتها قوة الرئيس السابق جورج بوش الإبن؟