أميركا تائهة في سورية وأوباما خسر رهانه
د. خيام الزعبي
بدأ القتل والإجرام على المكشوف وعلى نطاق واسع من قبل أميركا وحلفائها، في هذه الحرب التي تشنّ على سورية. فقد قصفت طائرات التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة، مواقع للجيش السوري بمدينة دير الزور، ممهّدة الطريق لميليشيات «داعش» للسيطرة على جبل ثردة، بمحيط مطار المدينة. ولإنقاذ مشروعها، الذي فشل في تحقيق أهدافه في سورية. وفي كلّ هذه الأعمال، هي تريد إيصال رسالة للسوريين بإنه ممنوع عليكم الخروج من دائرة النفوذ الأميركي الغربي، ويجب بقائكم تحت هيمنته وتبعيته. تقابله إرادة قوية من الجيش السوري في سحق «داعش» وأخواتها في مختلف المناطق السورية. وهذا هو أحد أهمّ الخيارات للقيادة السورية، التي تقود معركة صمود الشعب السوري والتي يتقرّر فيها وجوده ومستقبله على هذه الأرض.
اليوم تمرّ أميركا في مرحلة مفصليّة من إعادة رسم تحالفاتها في المنطقة، بما في ذلك سورية. ويبدو أنّ واشنطن لم تعد تملك قدرتها وخبرتها على فهم تطوّرات الأحداث فيها، بعدما كانت صانعة لأحداث المشهد في سورية. فظهور تنظيم «داعش» ودخوله في الحرب ضدّ الجيش السوري، كان من العوامل التي تصبّ في المصلحة الأميركية، لكن انضمام القوات الجوية والفضائية الروسية والإيرانية إلى الحرب ضدّ الإرهاب في سورية، تلبية لطلب الرئيس الأسد، جعل هدف كسر إرادة الشعب السوري وتفكيك البلاد إلى أجزاء عدة، أكثر استحالة وصعوبة. كما أن هذا التدخل، أحبط الخطط الأميركية في سورية وأربك توقعات العدو الصهيوني والأنظمة المتحالفة معه، في المنطقة.
كذلك، لم يكن فشل أميركا في بناء قوة مسلحة معتدلة، هو الأول من نوعه. فقد سبق أن شكلت وحدات من «الجيش الحر» وأعدّته لاجتياح منطقة درعا، قرب الحدود الأردنية، في هجمات سمّتها «عاصفة الجنوب» لكنها لم تنجح في تحقيق أيّ مكسب عسكري وميداني. وتكسّرت هجماتها مراراً، رغم وجود غرفة عمليات تخطط وتتابع وتؤازر هذه القوات، من خبراء غربيين وأردنيين. أما تجربة تدريب شبان من مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا، فقد منيت بالفشل منذ البداية، بعد أن أنفقت على تدريبهم مئات الملايين من الدولارات. ولم تتمكن من تخريج سوى عناصر معدودين، قالت إنهم مؤهلون للقتال وزوّدتهم ببعض العتاد ليدخلوا شمال حلب، لكنهم استسلموا عند دخولهم الأراضي السورية. كما أنّ «قوات سورية الديمقراطية» ما زالت غير قادرة وعاجزة عن دخول معظم المناطق، بعد أشهر عدة من المعارك على الحدود. رغم كلّ ما تلقته من الدعم الأميركي.
في الاتجاه الآخر، بينما تعزز النفوذ الروسي، تدفع واشنطن الآن ثمن تدخلها في الأزمة في سورية، حيث أصبح حلفاؤها، هناك، يتقاتلون في ما بينهم. فالتدخل العسكري التركي في شمال سورية، سبّب ورطة للولايات المتحدة، لأنه أدّى إلى المواجهة بين حلفائها. كما أنّ مواصلة تركيا الهجوم داخل سورية، يوضح أنّ هدفها الرئيس، ليس فقط السيطرة على مدينة جرابلس، شمالي سورية، وإخراج تنظيم الدولة منها وإنما الإستيلاء على الأراضي التي يسيطر عليها حليف آخر من حلفاء أميركا، ممثلاً بالأكراد. الذين، بدورهم، يقاتلون ضدّ تنظيم «داعش». بالإضافة الى قطع الطريق أمام أي كيان كردي في المنطقة، أو توسعه على الأرض السورية.
لذلك، فإنّ واشنطن لم تتمكن من تحقيق أهدافها في سورية، رغم كميات الأموال والأسلحة المتدفقة إلى أيدي التنظيمات المتطرفة. فلم تساعد تلك التدفقات، خلال سنوات الحرب، في تحقيق نقلة نوعية في سياق العمليات القتالية. بل على العكس، يشهد ميدان القتال السوري انكماشاً حاداً لنجاحات هذه التنظيمات. وتواصل واشنطن السير على هذا الطريق، رغم فشل الجهود الرامية إلى إزاحة الرئيس الأسد، منذ أكثر من خمس سنوات. وفي الوقت نفسه، تغيّرت خارطة التحالفات الأميركية – الغربية في الداخل السوري، كأبرز الدول ذات التأثير العميق في الشأن السوري. بعد أن أضافوا خسارة جديدة وخيبة مضافة، الى رصيد هزائمهم في الشمال والجنوب. فكانت الصفعة مجلجلة بعثرت ساسة البيت الأبيض وسماسرة واشنطن، لتتخبّط الأخيرة بصمود الجيش السوري وحلفائه من محور المقاومة.
مجملاً… مع اعتراف البعض، كانت أميركا القوة الرئيسية فى الشرق الأوسط، لعقود من الزمن، موفرة لحلفائها التوجيه والحماية. لكن الآن ومع تدخل روسيا وإيران في شؤون المنطقة، بدأ دور أميركا يضمر ويتلاشى، فالجميع لديه ضغينة تجاه واشنطن ولا يمكن التعويل عليها، لأنها تتخلى عن حلفائها. لذلك، فإنّ البيت الأبيض وحلفائه المشاركين في الحرب على سورية، يعيشون اليوم حالة ضياع وصعوبة في قراءة الأحداث وتطوراتها، خلال الأشهر الأخيرة.
khaym1979 yahoo.com