أسواق دير الزور تئنُّ تحت وطأة الحصار وجشع التجّار قلة المواد الأساسية والخضار يقابلها ارتفاع كبير في الأسعار

ديرالزور ـ مالك الجاسم

يحتاج الحديث عن معاناة أبناء أحياء دير الزور المحاصرة إلى الكثير من الوقت لأنّ كلّ أمر نتحدث عنه بحاجة إلى ملف طويل. فحجم المعاناة كبير ورغم ذلك، يعيش الأهالي حياتهم اليومية بعزيمة وإصرار، وقد كسروا قيود الحصار، وإن كانوا يتحدثون عن فصول معاناتهم مطولاً، إلا أنهم يختمون حديثهم بأنّ صمودهم مستمر حتى يكلل بالنصر القريب بسواعد الجيش العربي السوري.

الأسواق وقصة إبريق الزيت

بقيت أسواق دير الزور لفترة طويلة، رهينة توفر المواد الأساسية وغيابها والتلاعب بأسعارها، كيفما يشاء تجار الأزمات. ومع أنّ الكميات المطروحة من المواد والسلع قليلة ولا تسد حاجة المواطن اليومية، إلا أنّ أصنافاً معينة منها بقيت موجودة ويمنع الاقتراب منها وهذا يعود لسعرها المرتفع الذي يُضرب بثلاثة أضعاف السعر الحقيقي.

لكنّ أسواق دير الزور عادت لتنتعش من جديد، بعد غياب، مع توفر كميات من المواد الغذائية والخضار خلال اليومين الماضيين، وكان لذلك الأثر الإيجابي على المواطن الذي يتأمل ما هو موجود في الأسواق ويقرأ ملياً لوحة الأسعار ويفكر ملياً قبل الوقوف عند إحدى العربات. واستمرت الأسعار في الارتفاع من دون حسيب أو رقيب وهذا ما زاد من معاناة المواطن الذي عانى الكثير نتيجة الحصار المفروض على الأحياء من قبل إرهابيي «داعش» منذ ما يقارب العامين، وقد اختلف نمط الحياة والواقع المعيشي والخدمي في ظلّ نقص شديد في المواد الأساسية التي تحتاجها كلّ أسرة ونقص الخضار، وقد استغل تجار الأزمات هذا الوضع للتلاعب بالمادة من حيث طرحها وإخفائها.

روتين الأسعار

رغم كلّ ما ذكرناه، بقيت محافظة على روتين معين وهو السعر بعيداً عن كمية المادة المتوفرة، كما أنّ سعر يبلغ أضعاف سعرها الحقيقي، فقد وصل سعر كيلو القهوة إلى 15 ألف ليرة سورية وسعر كيلو الذرة الصفراء 15 ألف ليرة سورية وسعر كيلو السمنة 5500 ليرة سورية أما سعر كيلو اللحمة فقد ناهز رقماً خيالياً ووصل منذ أيام إلى عشرة آلاف ليرة ليهبط خلال الـ 48 ساعة الماضية إلى 8500 ليرة وهذا بالطبع ينطبق على كلّ المواد المتوفرة من دون استثناء.

الجود من الموجود

أما الخضار المتوفرة في أسواق دير الزور ضمن الأحياء المحاصرة فتقتصر على القليل من الباذنجان الذي وصل سعر الكيلو غرام الواحد منه إلى 3000 آلاف ليرة سورية، في حين يبلغ سعر الفليفلة الخضراء 5000 ليرة والملوخية 1300 ليرة وباقة البقلة 500 ليرة فيما غابت عن أسواق دير الزور جميع أنواع الفواكه ولم يدخل إلى أسواقها أي نوع منها خلال فترة الحصار إلا ما ندر مما هو منتج ضمن الأراضي الزراعية القريبة من الأحياء مثل التين والعنب والرمان، وهذا أيضاً يخضع للتلاعب وما هو مطروح في الأسواق لم يصل إلى درجة النضج الكامل، كذلك الأمر بالنسبة للتمر.

وفاقم معاناة أبناء أحياء دير الزور غياب السلع الخدماتية، نتيجة نقص المحروقات وغياب الكهرباء ونقص الدواء ومشكلة المياه وضعف شبكة الاتصالات وغياب الإنترنت.

المساعدات حاضرة

أما في ما يتعلق بموضوع المساعدات الغذائية فقد تواصلت عمليات الإسقاط المظلي فوق أحياء ديرالزور المحاصرة وهذه الإسقاطات هي شبه يومية أو كلّ يومين، حسب الظروف الجوية والمناخية، ولعبت هذه المساعدات دوراً في سدّ القليل من حاجات المواطن الكثيرة، وهي تتضمن مواد تموينية مثل السمن والزيت ورب البندورة والبسكويت والسكر والبرغل والملح والفاصولياء والأرز والعدس.

ويقع عاتق التوزيع على فرع الهلال الأحمر في دير الزور الذي يتسلم كامل الكميات المسقطة مظلياً ليوزعها حسب برنامج موضوع لهذه الغاية وبموجب بطاقة الهلال الأحمر والبطاقة الشخصية.

وتعتمد غالبية الأسر في دير الزور على الحطب» الخشب» في عملية الطبخ وهذا يعود كما ذكرنا إلى نقص المحروقات وحتى مادة الخشب ارتفع سعرها في الأسواق ليصبح حجم المعاناة أكبر، حتى أنّ غالبية الأسر استهلكت كميات كبيرة من الخشب الموجود في أثاث المنازل والأبواب وغير ذلك، خاصة في فصل الشتاء للتدفئة.

ومع بدء عمليات الإسقاط المظلي كان التفكير ملياً في تأمين حاجات الموطن وقد حاولت بعض المؤسسات الحضور في هذا المجال، خاصة الخزن والتسويق والمؤسسة العامة الاستهلاكية، لكنّ فشل الإسقاط في بعض الأحيان وتلف المواد أديا إلى وقف هذه العملية ليقتصر الأمر على الإسقاط الذي تقوم به طائرات الشحن الروسية من مطار حميمم.

نافذة أخرى لتوفير الحاجات

ومع ازدياد حاجة المواطن الشديدة إلى المواد التي تغيب عنه بفعل الحصار الخانق من قبل الإرهابيين كان التفكير ينصبّ على فتح المجال أمام التجار من باقي المحافظات لسدّ حاجة السوق وهذا ما حصل فعلاً، حيث سمح لبعض التجار بتأمين بعض المواد التي غابت ومنها البطاطا والبصل لكسر احتكار تجار الأزمات للأسواق وبالفعل تمّ إسقاط بعض المواد لصالح التجار الذين عملوا على تأمين القليل من المواد في ظلّ غيابها عن الأسواق وهذه الناحية كان لها الأثر الإيجابي في تأمين بعض المواد الأساسية التي غابت طويلاً عن السوق والتي يحتاجها المواطن في حياته اليومية ومع نجاح هذه الحالة زادت كميات المواد المُسقطة مظلياً لتشمل مواد أخرى مثل مواد التنظيف والحليب والمعلبات والشاي والتي كسرت قليلاً من أسعار الأسواق.

حجم المعاناة يزداد

أثر الحصار على نمط الحياة في أحياء دير الزور، خاصة لجهة غياب الكهرباء والمياه والاتصالات ورواتب الموظفين وعدم توفر الإنترنت ونقص المحروقات. والواقع الصحي كان الأكثر سوءاً مع غياب الأطباء عن الأحياء بسبب سفرهم إلى العاصمة وباقي المحافظات، وزاد الطين بلة ما تعرضت له مشفى الأسد وهو تجمع لبقية المشافي التي تضم الفرات ومشفى الأطفال من تخريب عندما تسلل إليه عدد من الإرهابيين. ومع عودة المشفى إلى عمله الطبيعي، بفضل تصدي الجيش العربي السوري للإرهابيين ألقيت المهمة على عاتق مشفى الشهيد أحمد طه هويدي التي قدت الخدمات الجلية للمواطنين واستقبلت جميع الحالات من دون استثناء وقدمت الدواء للجميع لتسدّ نقصاً استمر لفترة وجيزة لتعود الحياة من جديد إلى المشافي. ويستمر غياب الأطباء ببعض الاختصاصات الهامة الجراحة العامة والعصبية والتجميل والأطفال ، فيما فضل القليل من الأطباء البقاء داخل الأحياء لاستكمال مهمتهم الإنسانية المطلوبة في مثل هذه الظروف القاسية إلا أنّ حالة نقص بعض الاختصاصات التي ذكرتها ما زالت ترمي بظلالها، خاصة عند تساقط القذائف التي يستهدف بها الإرهابيون هذه الأحياء المحاصرة وتكون هناك إصابات في صفوف المدنيين الأبرياء الذين يدفعون ثمن غياب هذه الاختصاصات الهامة.

تضرّر الجميع داخل الأحياء بفعل هذا الحصار الجائر الذي يفرضه الإرهابيون منذ قرابة العامين، لكنّ أكثر المتضررين هم الأطفال بسبب غياب احتياجاتهم اليومية وفي مقدمتها مادة الحليب ومستلزمات الأطفال الرضع وأطعمتهم المفضلة والقرطاسية حتى بلغ سعر الدفتر 500 ليرة سورية. كما أنّ الأطفال كانوا ضحية قذائف الغدر التي أطلقها الإرهابيون باتجاه الأحياء السكنية الآمنة.

إرادة الحياة

رغم حجم المعاناة الذي يزداد يوماً بعد يوم إلا أنّ إرادة الحياة ما زالت موجودة داخل هذه الأحياء المحاصرة ومع كلّ ما ذكرت ومن مقولة من رحم الأزمات يولد الرجال كانت بعض الحالات موجودة وكانت الأولى على مستوى القطر في التعليم الأساسي من هذه الأحياء رغم ظروف المعيشة القاسية وغياب الكهرباء، فتابع الطلاب دراستهم في المراحل التعليمية كافة، على أكمل وجه وفحوى ذلك رسائل مضمونها نحن هنا ونتحدى الحصار قادرين على كسره والنصر سيكون قريباً بهمة أبطال الجيش العربي السوري.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى